شرح دعاء الندبة/ الحلقة السابعة عشرة
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(فَلَمَّا انْقَضَتْ اَيّامُهُ اَقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ اَبي طالِب صَلَواتُكَ عَلَيْهِما وَآلِهِما هادِياً، اِذْ كانَ هُوَ الْمُنْذِرَ وَلِكُلِّ قَوْم هاد، فَقالَ وَالْمَلأُ اَمامَهُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اَللّـهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَقالَ: مَنْ كُنْتُ اَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ اَميرُهُ، وَقالَ اَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة واحِدَة وَسائِرُالنَّاسِ مِنْ شَجَر شَتّى، وَاَحَلَّهُ مَحَلَّ هارُونَ مِنْ مُوسى، فَقال لَهُ اَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى الّا اَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي).
الفقرة التي نحن بصدد الحديث عنها وشرحها وهي فقرة طويلة جداً ومرتبطة بما قبلها، وارتباطها بما بعدها أكثر وأجلى وأوضح، وللحديث عن هذه الفقرة لابدّ من تسليط الضوء بشكل مجمل على الفقرات التي بعدها إلى أنْ يحين وقت شرحها، والفقرة التي بيدنا إلى أنْ تصل مع الفقرات الأخرى إلى قول الدعاء المبارك (ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين).
يقع الحديث فيها عن ثلاثة محاور: المحور الأول صفات توجب استمرار خط الهداية الإلهية، والمحور الثاني آثار ونتائج تترتب على تلك الصفات. أمّا المحور الثالث فمقاطع وصور من الممارسات العملية لأمير المؤمنين عليه السلام.
المحور الأول: حيث أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الحبل المتين الرابط بين السماء والأرض نتيجة للمشارطة الإلهية التي سبق الحديث عنها، وحيث أنّهم أهل بيت الله، وحيث أنّ الناس فطروا على التوجه جبلّياً لدخول ذلك البيت ودعاهم التكليف للسير إليه، كان لابدّ من أنْ تكون عملية الهداية وإيصال الناس وإدلالهم على الدرب الموصل إلى باب ذلك البيت مستمرة إلى أنْ تنتهي الخليقة ووجودها التكليفي، لهذا ولغيره سلّط الدعاء المبارك الحديث على أبرز عنصر إستخلافي يكون نموذجاً واضحاً في بيان المشيئة الإلهية في استمرارية الحاجة إلى هذا الارتباط بين السماء والأرض ولابدّيته، فكان الحديث من الدعاء المبارك على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام الفرد الأول للإستخلاف الاستمراري نموذجاً لمن سيستخلف بعد أمير المؤمنين عليه السلام من أهل بيت الله عليهم السلام، وحيث أنّ هذا المنصب العظيم والذي لا أشرف منه بعد منصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حديث الدعاء على لسان رسول الله عن المؤهلات التي أوجبت اختيار أمير المؤمنين عليه السلام وعن الصفات والمُنح الإلهية التي استحق بها هذا المقام، ثم عن الآثار المترتبة على هذه الصفات، ثم بعض النماذج من الممارسات العملية النابعة من التلبّس بهذه الصفات.
فجاء الدعاء ليحدّثنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً (فلما انقضت أيامه اقام وليه علي بن ابي طالب صلواتك عليهما وآلهما هادياً إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد...). ثم تحدث عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام المنبثقة من ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن معاداته المنبثقة من معاداة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن نصرته والدعاء له بالنصرة والدعاء على من يخذله، ثم جعل الإيمان بنبوته لا يتم إلاّ بالايمان بولاية علي عليه السلام، فكل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه لابدّ أنْ يكون علي عليه السلام أميره، وكل من لم يكن علي أميره فليس محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه، لأنّ علياً ومحمداً من شجرة واحدة، وجميع الناس بما فيهم الأنبياء من أشجار أخرى، وهو منه بمنزلة النبي من النبي لولا ختم النبوة.
فثبّت صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الهادي بعده علي عليه السلام لأنه هو المنذر وأنّ المولى بعده علي عليه السلام لأنّه هو الولي وأنّ معاديه وخاذله خاذل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنّ ناصره ناصر له لأنّه أمير من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فهذه الصفات التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبجعل إلهي لعلي عليه السلام إنما هي لأجل تلك الوظيفة الكبرى التي تقع على عاتقه بعد انقضاء أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم فرّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الكمالات والصفات جملة من الخصوصيات فلأن فاطمة عليها السلام كانت بمقتضى المشيئة الإلهية عنصر الربط الإلهي بين النبوة والإمامة ولان علي عليه السلام حاز مؤهلات الإمامة كانت النتيجة الطبيعية أنْ يقول الدعاء المبارك على لسان الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين عليها السلام، وهذا ما سيأتي الحديث عنه في الحلقة القادمة والمحورين الثاني والثالث.