قراءة في كتاب الحداثوية والقضية المهدوية
اقتطفت مما قرأته في هذا الكتاب العرض الذي يقدمه معتنق المهدوية في خطاب مدعي العلم والمنهجية, وقد جاء ضمن تحليل المؤلف لغيبة الإمام المهدي عليه السلام وتعرضه لمسألتي الاختفاء وطول العمر.
يقول المؤلف في هذا:
لو اردنا ان نحلل فكرة الغيبة والدليل على امكان وقوعها واستمرارها, لابد ان نبحث في امكانية امرين هما: الاختفاء الحسي, وطول العمر, الملازم لغيبة طويلة الأمد.
والاختفاء الحسي هو اما اختفاء الهوية, واما اختفاء الجسد أو (الخفاء البصري).
فأما اختفاء الهوية, وهو أن الشخص موجود, ولا يمكن تمييزه ومعرفته, فهو امر لا يمكن عدم امكانه, وانما هو طبيعة كل مجهول, فمن يأتي وانا لا اعرف شكله, لا يمكنني أن اعرفه, ما لم أصل إلى معرّف له, وهذا امر طبيعي, لا يحتاج إلى مزيد من بحث.
اذا هذا النوع من الاختفاء ليس ممكناً فقط, بل هو واقع نعيشه في كل مجالات حياتنا.
اما الاخفاء الجسدي (أو الاختفاء البصري), فعند الكلام عنه لابد ان نقول: اننا لا نتكلم عن ظاهرة اختفاء مجردة, وانما نتكلم عن حالة تكوينية متعلقة بإرادة الله تبارك وتعالى.
وإن مسألة البحث في قدرة الله تعالى على الاخفاء, لا تليق بمسلم, بل لا تليق بعاقل يعرف الله عز وجل وقدرته, وهو امر لا يجوز التفكير في استحالته, بأي شكل من الاشكال.
فان الله تعالى خالق الاجسام وخصائصها, وهو من يستطيع تمكين الخصائص, أو اعدامها.
وانه ليس يليق بذي حجر, ان يدعي بأن الله عز وجل غير قادر على اخفاء عبد من عباده بناءً على تصورنا البشري القاصر, لان الطبيعة الفيزيائية الظاهرة, تقتضي الصورة المرئية للجسم.
هذه الطبيعة الفيزيائية الظاهرة التي كانت تقتضي احراق ابراهيم عليه السلام بالنار الهائلة, ولكن ذلك لم يتحقق, وكانت عليه برداً وسلاماً.
وكانت تقتضي أيضاً عدم انتقال الاشياء بطريقة الخفاء, من مكان والظهور في مكان آخر, يقع على بعد مئات أو آلاف الاميال, كما حدث لنقل عرش بلقيس في اليمن, في طرفة عين إلى فلسطين, حيث مجلس النبي سليمان عليه السلام, والقائمة طويلة في مخالفة ومغايرة قوانين الطبيعة, بأمر إلهي منصوص, والاخفاء لا يختلف عما تقدم ابداً.
اضافة إلى ما تقدم, فإن العلماء ما زالوا يدرسون تفسير ظواهر كثيرة سميت الظواهر الروحية, أو الظواهر الخارقة, ومن بينها ظواهر التخفي, أو الاخفاء الكلي للاجسام, وقد عدوا هذا الدراسات باسم علم (الباراسيكلوجي) واسماء اخرى, وهي ترتبط بالتأثير غير الفيزيائي في الكون الفيزيائي.
وبعد ما ايقن العلماء الباحثون بوقوع مثل هذه الحالات أو التأثيرات من قبل اجسام, أو قوى مختفية تماماً علينا, انطلقوا لايجاد تفسير لها بعيداً عن التفكير البيزنطي أو التشكيك بالواقع, فكانت عشرات التفسيرات حيث افترض بعضهم ان هذه الاجسام المختفية, اما ان تكون لها القابلية على امتصاص الضوء, أو انها تسمح بنفاذ الضوء إلى الفراغ الذري داخلها, أو انها تسّيل, وتشتّت الضوء حول الجسم, ليذهب في نفس اتجاهه, ومن دون انعكاس, كما لو انحنى قليلا, كما ينحني تيار الماء عن الجسد الواقف وسط تيار الماء.
وقد تفرع من هذه النظريات, مجالات تجريبية في التطبيقات التقنية الحديثة, وبهندسة تمكن من امتصاص الضوء, أو الذبذبة الرادارية, ومن تحويل بسيط لتيار الضوء حول جسد الطائرة أو غير ذلك, وكما صنعوا مع طائرة (الشبح), في الطيران الحربي.
مما تقدم يخلص المؤلف إلى القول:
ان ظاهرة الاخفاء البصري للاجسام موجودة, وهي محل دراسة علمية, واعتراف علمي, والوجود اول دليل على الامكان.
وبهذا ينهار تماماً وكلياً, التشكيك في الغيبة, ولا مجال للعاقل ان يدخل من هذا الباب.
اما في مسالة طول العمر, وفي عدم كونه مألوفاً, فقد قال المؤلف:
ان امكانية ان يعيش الانسان عمراً طويلاً كعمر نوح عليه السلام فهو امر ثابت لا جدال فيه, وقد اشار اليه القرآن الكريم بوضوح, لا لبس فيه, ولما كان الامر كذلك بالنسبة إلى نوح عليه السلام, فلا يبعد ابداً ان يقع مثيله, وان تكون هناك حالات مشابهة له, وهذا أمر ثابت كقصة عيسى عليه السلام,وكونه حياً إلى الآن, وقصة ادريس عليه السلام الذي رفعه الله مكاناً عليا, وهو حي يرزق.
انها حالات جاءت بنصوص قرآنية ونبوية ثابتة ومن يريد ان يشكك فيها فعليه ان يشكك في كل منظومته الاسلامية, ولا تجوز التجزئة.
يقول مؤلف الكتاب في هذا الصدد:
وهنا نوجه السؤال إلى علماء الحياة واسرارها, لنعرف جوابهم عن سر الموت والحياة لدى البشر, ولنعرف مدى امكانية بقاء الانسان حياً مدة مئات أو حتى آلاف السنين.
ولعل غير المطلعين سيفاجؤون بجواب العلماء العجيب وهو: ان ما يحيرنا هو سر الموت وليس سر الحياة, لان الاصل الذي نراه في التكوين الداخلي للجين الوراثي _ الذي يرسم حياة الانسان_ هو الحياة الكاملة, وعدم الموت, ولكن ما يفاجئنا هو اصدار أوامر وايعازات برمجية, من داخل الجين الوراثي نفسه لتخريب الجسد وهذا ما لا نفهم سببه.
فقد جعل الله فينا برنامج الموت والا فإن كل خلية, وكل نسيج له قابلية عجيبة للتجدد, والمحافظة على البقاء بما في ذلك ما كان يعتقد بانه لا يتجدد كخلايا الاعصاب والدماغ.
لقد اصبح العلماء الآن اقرب إلى فهم الآليات البيولوجية, والتي تعمل على الهرم وتساعد على الموت, فقد عثر العلماء بالفعل على بعض الجينات التي لها دور في تأخير عملية الهدم في حيوانات المختبر وبعد عدة تجارب وتتلخص بادخال نسخ اضافية على (سي.آي.آر) كي تعيش هذه الحيوانات امدا اطول.
لقد تأكد اكتشاف جينات تجدد العمر, يمكن التدخل فيها لايقاف اسباب الموت.
يقول البروفسور لويس كونكل, في هذا الصدد.
(عـــــــــدد الجينات ضمن نطاق منطقة الكروموسوم الرابع) هو المسؤول عن تحديد الساعات الجينية.
واخيـــــــــــــرا يقول المؤلف:
مما سبق يتبين ان الاصل فيما خلق الله عز وجل في الاحياء هو الحياة, وان الموت طاريء عليها وان الله تعالى قادر على منعه, فسر الموت هو معجزة الهية, وما يحدث للمعمرين هو التفلت من ذلك السر والبقاء على الطبيعية الاساسية وبواسطة الشفرة الجينية للحياة.
ويضيف المؤلف فيقول:
فلا غرابة اذا مطلقاً في طول عمر بشر, بل هو واقع فعلا, والغريب هو ان يفكر ويستبعد عقلنا البشري الحسي الشخصي, ما هو موجود فعلاً ومتحقق على صعيد الواقع ويوافقه التفسير العلمي وتؤكده البحوث الطبية.