تمهيــــــــدنا: الوجود الغيبي
يحتاج للإيمان ببعض المبادئ إلى منبهات تركّزه وتكشف مكامن الغموض فيه، نتيجة للانغماس بما من شأنه أنْ يبعد المؤمن عن إيمانه، وبحسب الطبيعة البشرية وإنّ هذه الحالة اعتيادية، ولا يخلو منها الا المعصوم إلاّ أنّ درجاتها تتفاوت بين اشخاص البشر، ومن بين أبرز ما يُحتاجُ دائماً إلى التنبيه هو الإيمان بالغيب الذي تتركز عليه أغلب العقائد بل كلها، وهو يمثل العمود الفقري للوجود الديني في نفوس المؤمنين، نعم بعض العقائد التي تعتمد في أسسها على عناصر الغيب من كثرة السماع بها أو ممارستها انجلت حالة التردد والشك في غيبيتها، بينما بقي القسم الأكبر على حاله، ومن بين ما يحتاجه إلى التنبيه دائماً هو الإيمان بالرعاية الحقيقية والمباشرة للإمام المهدي عليه السلام ذلك العنصر الذي يؤمن به جميع الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولكن الغالب منهم يغفل عنه اثناء الممارسات الاجتماعية أو الفكرية، لذلك قلنا إنّ الغالب يحتاج في هذا العنصر إلى التنبيه.
فمن يؤمن بتبعيته للمذهب الاثني عشري، فإنّه يترتب على إيمانه هذا أنْ يؤمن بالإمام الثاني عشر، ويترتب على هذا الإيمان أنْ يؤمن بوجود الإمام المهدي عليه السلام وبقائه إلى الآن، وكذلك لابدّ أنْ يؤمن بأنّ هذا الإمام عليه السلام هو المسؤول المباشر عن رعايته، وهو الواسطة الأولى في توطيد علاقته بالله سبحانه وتعالى، ومن ثمّ صعود عمله وقبوله، أو نزوله ورفضه، وهذه حالة نظرية لا تخفى على أحد من الشيعة الاثني عشرية على مستوى النظرية، والمراد أنْ لا تخفى على مستوى التطبيق أيضاً، وأنْ يكون الوجود المقدس للإمام المهدي عليه السلام حاضراً، راعياً وأباً ومدبراً في ارتباطاتنا المختلفة إلهياً واجتماعياً، فضلاً عن الارتباطات الفردية المتفرعة على ذلك، فالمنشغل بتحصيل العلم لابدّ أنْ يوطّن نفسه على أنّ خطواته تحتاج إلى التسديد الإلهي للخليفة الربّاني، وليس هذا التسديد تسديداً عاماً وغير مشخص، أو ليس بواضح المعالم، بل لابدّ أنْ يكون هذا التسديد حاضراً في ذات الشخص ونفسه، كحضور تسديد الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه أو الإمام علي عليه السلام لشيعته أو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمّته في زمان إمامتهم، وكذلك جميع الأشخاص الآخرين، وكل حسب ارتباطاته ومهنه ومعيشته، وأحواله وأوضاعه، لابدّ أنْ يكون حضور الإمام عليه السلام لديه _وعلى المستوى العملي لا العلمي_ كحضور الأئمة السابقين عليهم السلام لأصحابهم.
رئيس التحرير