الإيمان بالمهدوية قضية متفق عليها
الشيخ أيوب الحائري
من البحوث الإسلامية التي نالت الاهتمام الكثير من قبل علماء الإسلام ومفكريهم هو موضوع الإمام المهدي عليه السلام ذلك المصلح العالمي المنتظر, فقد بحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم, وفلسفة التأريخ (السنة الإلهية), كما تطرّق لبحثه غير واحد من رجالات العلم والمعرفة في الأديان والمذاهب السماوية الأخرى.
ومسألة الإمام المهدي الموعود عليه السلام والبحث حولها جديرة بالاهتمام؛ لعدة أسباب:
أولاً: لأنّها من المسائل المهمة في الشريعة الإسلامية، ويعتقد بها المسلمون بصورة عامة, والشيعة بصورة خاصة, فلا بدّ من الاهتمام بها ومعرفتها حيث ترجع هذه المسألة إلى ضرورة معرفة الحجة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وهم الحجج الاثنى عشر الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفتهم وإتباعهم والاقتداء بهم بعده, وأولهم الإمام علي عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام, فإنّ عدم معرفتهم يوجب عدم اتباعهم وهو موجب للضلال, كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين, وإذا مات الشخص ولم يعرف إمام زمانه وحجته في عصره مات ميتة الجاهلية، كما ورد في دعاء (زمن الغيبة) عن الإمام الصادق: (اللهم عرّفني نفسك...).
ثانياً: لأنّ هذه المسألة كانت وتزال نافذة أمل للمستضعفين, والمحرومين, وهي خير حافز للعمل في سبيل نشر الإسلام والخلاص من الظالمين، ولذا أصبحت اليوم غرضاً لسهام المغرضين والمنافقين والمستكبرين نظراً لأهميتها في حياة المسلمين.
من هنا لا بد من العمل بشتى الأنواع لبث وتعميق وعولمة هذه العقيدة الحيوية والبناءة، وتكوين حالة عامة من الاعتقاد بالأمام المهدي الموعود عليه السلام ونشر الثقافة المهدوية بين الناس عامة وبين المسلمين بصورة خاصة لتهيء العالم لمجيء ذلك المنقذ الكبير، وذلك المخلّص العظيم للبشرية من شرور الاستعمار والاستكبار ومن براثن الظلم والجور, والفساد والانحراف, وليتحقق به وعد الله الذي لا يتخلّف. وإن انعقاد أمثال هذه المؤتمرات وكتابة المقالات هو في الواقع خطوة للوصول إلى تلك الأهداف المنشودة.
وإن الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي وانتظار ذلك الوعد الإلهي يعبّر عن حاجة فطرية عامة للإنسان، وتقوم هذه الحاجة على تطلع الإنسان إلى الكمال, فهي فكرة قديمة وليست مقصورة على الإسلام, وقد تعرض القرآن لهذه الفكرة والوعد الإلهي الذي جاء في الزبور وهو كتاب داوود، والذكر وهو التوراة كتاب موسى عليه السلام بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ), فلابدّ أنْ يتحقق هذا الوعد الإلهي يوماً ما, ولو كان هذا اليوم هو آخر يوم من عمر الدنيا، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً).
وهذا الأمر لا خلاف فيه بين الأديان والمذاهب, وهذه الحقيقة من شأنها أنْ تساعد على إسقاط وبطلان الشبهة القائلة بتفرد الشيعة بالقول بها, وبطلان الشبهة القائلة بأنّ منشأ هذه الفكرة اليهود, وبطلان القول بانّ المهدوية أسطورة, أنّها تحظى بإجماع الأديان السماوية ويتبنّاها العلماء والمفكرون.
وأيضاً: تساعد على بطلان قول القائل بانّ فكرة المهدوية وليدة الظروف السياسية الحرجة التي عاشها أتباع أهل البيت عليهم السلام, فما أكثر المظلومين والمضطهدين على مر التاريخ وعبر الزمن وفي شتى بقاع الأرض، ومع ذلك لم يعرف عنهم هذا الاعتقاد.
إذاً فكرة المصلح العالمي ودولته العادلة المنتظرة لم تخص الأديان السماوية, بل هي فكرة أساسية عند كبار العلماء ومدارسهم الفكرية والفلسفية، وحينما تصرّح الأديان بفكرة المنقذ العالمي فإنّما تكشف عن ضمير إنساني يتطلع إلى الحياة الأفضل والمستقبل الأزهر, وحينما يصرح الإسلام بهذه الفكرة فإنما يصرّح بحقيقة دينية أكيدة آتية لا محالة، ويطرحها بنحو أفضل مما طرحتها الأديان السابقة، وحينما يتحدث أهل البيت عليهم السلام عن هذه الفكرة، فإنّما يقدمون البيان الأكمل في هذا الموضوع ويشخصون مصاديقه ويذكرون رائد هذا الإصلاح والنهضة العالمية, وقائد عملية الإنقاذ والتغيير الشامل, وهو الإمام محمد المهدي ابن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام, رجل من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ولد فاطمة عليه السلام ومن ذرية الحسين عليه السلام الذي ولد في سنة ٢٥٥هـ في سامراء وهو الآن حي يرزق، غائب عن الانظار ولكنه يقوم بمهامه وينتظر الإذن من الله للظهور والقيام لإقامة العدل والقسط في العالم.
والمتتبع للأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي المنتظر عليه السلام في كتب علماء أهل السنة سيجدها تنسجم مع روايات علماء الشيعة وتؤكد حقيقة واحدة وهي: أنّ نسب المهدي عليه السلام يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه من أهل البيت عليه السلام ومن الأئمة ألاثني عشر المعصومين, وهو آخرهم, فهذا ابن خلكان (المتوفى عام ٦٨١هـ) يقول في كتابه (وفيات الأعيان): (أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري ابن علي هادي ابن محمد الجواد المذكور قبله, ثاني عشر الأئمة ألاثني عشر على اعتقاد الأمامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين). وإن كان المشهور عند أهل السنة أن المهدي هو محمد بن عبد الله, وهو من ولد الحسن, ولكن الأمر المتفق عليه انه من أهل البيت عليهم السلام وأنه من ولد فاطمة. وقد روي عن أمّ سلمة انها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي, من ولد فاطمة), وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي).