تمهيدنا: طرق معرفة الإمام عليه السلام
إنّ مما يفرضه الانتساب الديني هو أنْ تكون المعرفة تبعا للآليات التي ينتخبها الدين ويجعلها أداة للوقوف على الطريق، ومن ثم تحقيق المرادات الناتجة عن الإتباع والالتزام بالأوامر والنواهي وجعل لوائح القوانين نصب عين السائرين في دروب الدين.
ومن بين تلك الآليات التي انتخبها الدين، طرق معرفة الإمام، وأنّ الطريق في تشخيصه وتعيينه لابدّ أنْ يكون من قبل الله سبحانه وتعالى، لأنّ تشخيصنا للطريق المؤدية إلى تحصيل الإمام لا يخلو من أن يكون صائبا أو خاطئا، فإذا أصاب فهو وان كان قد حقق لنا النتيجة، إلاّ أنّ ذلك لم يكن خاضعا لإرادة الله سبحانه وتعالى لأنّ هذا التحقيق قد تمّ بمعزل عن إرادته وبعيدا عن العبودية المحضة التي تتجسد في أنْ تكون خطوات العبد تابعة لمولاه في كل شيء، لا أنْ تكون في بعضها دون بعض، وكأنّه عبد في جانب وربّ في جانب آخر، فلا يرتضي لنفسه أنْ يتعبّد بطريق المعرفة من خلال الله سبحانه وتعالى، بل يصل الأمر ببعضهم أنْ يستنكف من ذلك ويتجرّأ في أنْ الله سبحانه وتعالى بعيد عن هذا الأمر ومترفّع عنه.
أما فيما لو اخطأ فإنّ العبد سوف يكون ملاما أمامه جل وعلا ويستحق أنْ يعاقب ويدان من العقلاء فضلاً عن الإله, لأنّه لو سئل وهو في محضر الربوبية: انك كيف وصلت إلى هذه المعرفة بإمام الزمان؟. ومن سمح لك بسلوك هذا الطريق؟، وما هي أدلتك التي قادتك للتمسك بهذا الشخص دون سواه؟ فإنّ العبد سيكون بمعزل عن الحجة ومعرّى عن الدليل، وبذلك تنحصر آلية تشخيص الإمام بيده سبحانه وتعالى، وقد نص الذكر الحكيم على أنّ الله سبحانه وتعالى متكفل ببيان هذا الأمر وغيره بقوله عز من قائل: (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فلابدّ أنْ تكون الطريق التي نعرف بها الإمامة منتهية إليه سبحانه، ومعنى أنّها منتهية إليه أنّها مأخوذة من كتابه، إذ قال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) فالآية تجعل طاعة الله سبحانه وتعالى متفرعة على طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن يعص الرسول وإنْ كان قد أطاع الله بمعزل عن طاعة رسوله فهو عاصٍ، لأنّ الله حصر طريق طاعته بأنْ تكون متفرعة عن طاعة رسوله، فإذا جاء الرسول وجعل طاعته متفرعة على طاعة غيره كان الأمر سيّان بالنسبة إليه كما كان مع الله سبحانه وتعالى، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي...), فجعل صلى الله عليه وآله وسلم عدم الضلال بعده مرهونا بالتمسك بمن خلّفهم، وهم الكتاب والعترة، فصار أتباع العترة ابتداء محققاً لأتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهما محققان لطاعة الله، ودون أحدهما لا تتحقق الطاعة ولا العبودية لله سبحانه وتعالى، لأنّها طاعة جاءت من غير الطريق الذي نصبه الله ووضعه لأجل أن يوصَل إليه.
رئيس التحرير