تمهيدنا
ليست الرمزية وحسب
إنّ التكامل المعرفي للأفكار والاطروحات مرهون بعدّة عوامل وأسس ينبغي لحاظها عندما يرادُ الإصعاد بالفكرة على سلّم التكامل، وجنوح بعض الأفكار عن هذا السلّم يضعف وجودها الفكري إذا لم يزل وجودها بالمرّةِ من حريمه، وتتأثر الأفكار بعناصر تكاد تكون بعيدة عن الفكرة وجذورها وما أُريد لها من تأثير، كنفسية القارئ ومزاجه والتعبئات الفكرية التي حصل عليها اثناء مسيره في حياض الأفكار.
والفكر المهدوي الذي هو أحد أبعاد العقيدة المهدوية، إذ العقيدة المهدوية فيها فكر متحرّك متطّور ينضج بتراكم القراءات والعمل البشري الذهني إبداعياً كان أو تطويرياً، وفيها البعد العقدي الثابت، كما فيها البعد العملي الإيماني المترتّب على الاعتقاد بها، فيما تكون جاذبيتها لمن لا يعتقد بها أو لمن يعتقد بها متأثّرة بأثواب الأفكار وما تلبسه من أطروحات ونظريات تمثل في بعض جوانبها البعد التصديري لهذه العقيدة.
فالفكر المهدوي هو فكر بشري ناتج عن تراكم الجهود الجبارة التي بذلها العلماء من أجل كشف المكامن الخفية في العقيدة المهدوية، أو إيجاد أفكار ذات ربط وصلة بهذه العقيدة لأجل تقويتها معتقداً في نفوس المؤمنين بها، أو لأجل دفع الشبهة التي طرحت عليها، فليست الفكرة المهدوية هي العقيدة وإنْ كانت تمثّل في جوهرها بعض جوانب العقيدة، أو أنْ تتكئ على مفاصل العقيدة المهدوية كثير من الأفكار التي تطرح باسم المهدوية.
فلابدّ من التمييز بين الفكر المهدوي، هذا المنتج البشري الذي نكنّ له التقدير والاحترام، والذي يسهم في تطور العقيدة وجاذبيتها وقوة رسوخها فيما إذا كان فكراً إيجابياً، أو انّه يضعف الإيمان بها ويزلزله فيما إذا كان فكراً سلبياً.
فلابدّ من التمييز بين هذا الفكر وبين تلك العقيدة التي صاغها الوحي والزم المؤمنين بالايمان بها واتّباعها، فهي عقيدة واحدة ثابتة منذ الأزل، لا تتغير ولا تخضع لقانون التغير، متأصّلة متجذّرة في نفوس المؤمنين، ونابعة من الإيمان اليقيني بحقّانية معتقدهم.
فما يطرح اليوم في الساحات الفكرية من انّ العقيدة المهدوية أو بعض جوانبها هي رمزية، فهذا الطرح في الحقيقة هو طرح لفكر مهدوي وليس لعقيدة مهدوية، فالرمزية، سواء أُريد الحديث عنها في أصل العقيدة أو في حيثياتها، لا تمثل العقيدة، إذ انّها واضحة ثابتة مشخّصة لا رمزية فيها، نعم ما يطرحه المفكرون والأدباء والشعراء وذوو الأقلام النيّرة من أفكار يفهم منها أو يراد لها أنْ تعبّر عن رمزية هذا المعتقد، إنّما هو في الحقيقة حديث عن رمزية أفكارهم واطروحاتهم ومتبنّياتهم، فالرمزية هنا، وليست في المعتقد.
رئيس التحرير