وجوب وجود الحجة اللازمة في الأرض
ياسين حسن السلامي
جاء في الحديث أنّ الأرض لا تخلو من حجة لئلاّ تنعدم حجج الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا المنهج (نسلت القرون. ومضت الدهور. وسلفت الآباء. وخلفت الأبناء), والأصل في هذه الحجة يجب أنْ تكون ظاهرة واضحة كوجود نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين أمّته، حينما بعثه الله سبحانه وتعالى (لإنجاز عدته, وتمام نبوته), وقد تقتضي الحكمة الإلهية أنْ تختفي وتغيب هذه الحجة لمصلحة العباد، وإذا كانت كذلك فلابد حينئذ من دليل يدل على بقاء حجيتها وإلاّ بطلت ولم ينتفع بها, وأحد هذه الأدلة على بقاء الإمام المهدي عليه السلام وهو في الغيبة، حجة على الخلق ما ورد في الأحاديث الكثيرة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غيبته وظهوره عليه السلام, وكذلك إخبار الأنبياء وتبشير كل واحد منهم خلفه بما حصل في فترة آخر الأمم وبعثه خاتم الأنبياء، وقد قيل (لم يكن نبي قط إلاّ وبشّر بمبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وأخذ عليه تعظيمه, وإن كان بعد لم يوجد).
ومن تبشير الأنبياء عليهم السلام ما ذكره الشيخ يوسف الشافعي في (عقد الدرر في أخبار المنتظر) ص٢٦ قال: وعن سالم الأشل قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: (نظر موسى عليه السلام في السفر إلى ما يعطى قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فقال موسى عليه السلام: رب اجعلني قائم آل محمد: فقيل له: إنّ ذلك من ذرية أحمد. فنظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك, فقال مثل ذلك. فقيل له مثل ذلك. ثم نظر عليه السلام في السفر الثالث فرأى مثله, فقال. فقيل له مثله).
وقد أشار الإمام علي عليه السلام في النهج ص١٠٣: إلى هذه الحقيقة فقال لكميل: (يا كميل بن زياد, لابد له من حجة, إما ظاهر مشهور شخصه وإما باطن مغمور, لكيلا تبطل حجج الله).
وفي حديث آخر بيّن الإمام عليه السلام فيه الحجة في الأرض وغيبته كما في (الكافي) عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكراً تنكت في الأرض, أرغبة منك فيها؟ فقال عليه السلام: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي, هو المهدي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما تكون له غيبة وحيرة, يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون...).
فقد إشارات بعض الأحاديث إلى أنّ منزل الإمام عليه السلام طيبة، وهو المحل الذي يقيم فيه مع مواليه وخواصه وكما في الحديث: (لابدّ لصاحـب هذا الأمر من غيبة ولابدّ في عزلته من قوة, ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة).
وقال المجلسي في البحار: (وطيبة أسم المدينة, فيدل على كونه عليه السلام غالباً فيها وفي حـواليها وعلى أنّ معه ثلاثين من مواليه وخواصه إنْ مات أحدهم قام آخر مقامه).
ويمكن أنْ تكون إحدى منازله في غيبته للأمور التالية:
أولاً: لأنّ المدينة مهبط وحي الله, ودار هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: ذكرنا فيما مر أنّ هناك تشابهاً بين خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تميّز بها وخصائص الإمام المهدي عليه السلام، ومنها إنّ هناك تشابهاً في أعمالهما الجهادية، ومنها المكان الذي يكون فيه الإستعداد وتهيئة العدّة البشرية والعسكرية والانطلاق منها لفتح البلاد، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعدّ وهيّأ أنصاره في المدينة المنورة وانطلق منها لفتح مكة وبقية المناطق، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام فإنّه يقتفي أثر جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون الإعداد في المدينة المنورة وما جاورها، ومنها ينطلق عليه السلام ويدخل مكة من ذي طوى، وهو المكان الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، ثم ينتقل لفتح البلاد الإسلامية.
ثالثاً: إخبار الأئمة عليه السلام أنّه في المدينة, عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد عليه السلام جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أنْ أسألك؟ فقال عليه السلام: (سل, قلت يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم, قلت: فإن حدث بك حدث فأين أسال عنه؟ قال عليه السلام: بالمدينة).
وكلامــه عليه السلام مطلق يشمل السؤال عنه في الغيبة الصغرى والكبرى.
وقال عليه السلامالمازندراني في (شرح أصول الكافي) ٦/٢٢٦: لعل المراد بالمدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفيه دلالة على أنّ إقامة حال الغيبة فيها أكثر, وقد نقل أنّ أبا هاشم رآه، ويحتمل أنْ يراد بالمدينة سر من رأى, والله أعلم.