شرح دعاء الندبة/ الحلقة الثانية والعشرون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(وَلَمّا قَضى نَحْبَهُ وَقَتَلَهُ اَشْقَى الآخِرينَ يَتْبَعُ اَشْقَى الاَْوَّلينَ، لَمْ يُمْتَثَلْ اَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي الْهادينَ بَعْدَ الْهادينَ).
يشير المقطع المبارك الى نتيجة حتميّة للسياسة الإلهية التي كان ينتهجها أمير المؤمنين علي عليه السلام في مجتمع دعته نزعاته وجهله الى الالتفاف حول ادعياء الضلال ورموز الانحراف، فكان أنْ قضى أمير المؤمنين شهيداً في محراب الهداية وعرج الى الله سبحانه وتعالى، ودلالات شهادته في المسجد وفي الصلاة وفي المحراب، وأنه خليفة المسلمين والمؤتمن على الدين كبيرة جداً لا يسعنا الوقوف عندها في هذا الشرح المختصر، ولكنّه وبشكل مجمل نرى أنّ الحكمة الالهية اقتضت لهذا الرجل الربّاني الإلهي أنْ يكون عنصر استخلاص للارتباط في الله والذوبان في ذاته تعالى، فمن ولادة في أعظم مسجد وبيت، إلى شهادة في مسجد عظيم وأرض مقدسة، نعم هكذا كانت قصة علي عليه السلام الذي يمثّل عنصر الهداية والارتباط بالله سبحانه وتعالى، شخص أرادته حكمة السماء أنْ يربط العباد بخالقهم فصاغته نموذجاً، بدايته ذوبان وارتباط بذات القدس والعظمة، ونهايته اندكاك وانصهار وعبودية وفناء في ذات الربوبية، هذا هو علي عليه السلام.
أمّا من جانب الشخص الذي قتله فإنّ المقطع الشريف يشير الى انّ سنّة قتل الهداة والأولياء هي سنّة قديمة وانّها تأتي على يد اشقى وارذل الخلق، حيث يصف المقطع الندبي المبارك أنّ قاتل ولي الله هو اشقى خلق الله من الآخرين، ويتبع في نهجه وعمله هذا اشقى خلق الله من الأولين، وهي سياسة ماضية لدى الاشقياء من خلق الله واقتدائهم بالضلاّل والمنحرفين في تمرّدهم على إرادة أولياء رب العالمين وإقصائهم عن وظيفة هدايتهم للمؤمنين.
ويشير المقطع أيضاً إلى ما كان يمثّله أمير المؤمنين عليه السلام من سدّ منيع تجاه الهجمات والاعتداءات والظلم الذي لحق بأهل البيت والهداة من بعده عليه السلام، فحينما كان موجوداً بينهم كان هو المانع عن أنْ يصل إليهم الظلم، لكنّه بعد أنْ فُقد اجتمعت الامّة الظالمة على هتك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصيان أمره في أهل بيته عليهم السلام وأولياء دينه.
فالعدوان على أمير المؤمنين عليه السلام وإزالته من ساحة الهداية، ومخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كون أهل بيته والائمّة من ذريته هداة للأمّة وعصمة لها من الانحراف والضلال، هذا العدوان كان يشكّل البداية والمنطلق ويكوّن الأرضية للاحقين من الظلمة في السير على نهج السابقين منهم، في إبعاد أهل البيت عليهم السلام وإزوائهم عن ممارسة دورهم، حيث يحدّثنا المقطع عن انّ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته عليهم السلام لم يمتثل فقط في شأن علي أو في شأن فاطمة عليها السلام بل لم يمتثل في جميع الهداة منهم هادياً بعد هادٍ.
وهذا ما يمكن الاستفادة منه كإشارة ودلالة على أنّ الوصية بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام، والأمر للأمّة باتباعهم هي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومخالفتها مخالفة له، وبذلك يمكن لنا أنْ نستفيد من هذا المقطع المبارك انّ هناك أوامر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تلقى على الأمّة في وجوب متابعة أهل البيت عليهم السلام لأنّهم الهداة لها، وانّ هذا الامر بوجوب الاتباع بيّن وواضح لدى الأمّة، ولكنّ الأمّة ومع الأسف خالفت هذه الأوامر ونبذتها وراء ظهرها.
فهذا المقطع الندبي المبارك يشير الى حقيقة الوضوح الموجود لدى الأمّة في انّها مأمورة باتباع مجموعة من الائمّة الهداة، وانّ النصّ عليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشير ايضا الى وضوح حالة اخرى ملازمة لوضوح هذه الحالة، وهي ان الاقصاء والابعاد للأئمة الهداة وترك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت سنّة شربها هؤلاء وتشرّبوا بها، وعاشوا عليها سنين بقاء الائمة بينهم، وهذا ما اشرنا اليه سابقاً من انّ الامّة وصل بها حال كره علي واهل بيته عليهم السلام انّها اكبّت على عدوانه وتمسكت بمنابذته مع انّ المأمورة به على لسان نبيها هو موالاته واتّباعه.