شرح دعاء الندبة/ الحلقة الثالثة والعشرون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(وَالاُْمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلى مَقْتِهِ مُجْتَمِعَةٌ عَلى قَطيعَةِ رَحِمِهِ وَاِقْصاءِ وُلْدِهِ).
قلنا سابقاً إنّ هناك حالة اعوجاج فكريّ وعمليّ اصيبت بها الأمّة بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانزوائها عن أهل البيت عليهم السلام وميلها بشكل كبير إلى أعدائهم، وهذه الحالة لو كانت الأمّة قد وقفت عليها لكان الأمر هّيناً بعض الشيء، إلاّ أنّ نصوصاً كثيرة فضلاً عمّا يتحدث عنه المقطع الندبي المبارك يعكس لنا حالة أخرى، وهي حالة كست فيها، بالقسوة والفضاضة والغلظة تجاه أهل البيت عليهم السلام إلى حد يصعب تصوّره في بعض الأحيان تجاه أمّة عاشت في كنف الرأفة والرحمة المحمدية لفترة زمنية طويلة، ولكن الواقع الذي يعكس حالة الإصرار على مقت أهل البيت عليهم السلام، والاجتماع لا على عدائهم فقط بل الاجتماع على قتلهم وتقطيع اوصالهم والتنكيل بهم واقصائهم وابعادهم واذلالهم والاستخفاف بهم، بل على كل معنى من المعاني التي تعكسها الحالة الرذيلية التي اتّصف بها جمهور من المسلين بعد شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى وصفهم المقطع الشريف بانّهم مجتمعون على ما يفعلون، من قطع رحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتصغير عظيم منزلتهم، ومنازعتهم واستعدائهم.
ومن اشدّ ما يُعكس روائياً في تصوير هذه الحالة ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نمشي في بعض طرق المدينة فلما خلا الطريق من المارة اعتنقني ثم اجهش باكياً فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك قال صلى الله عليه وآله وسلم ضغائن في صدور اقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، أحقاد بدرية وترات أُحد، قلت في سلامة من ديني؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم في سلامة من دينك).
وفي حديث آخر عنه عليه السلام قال: (اللهم إنّي استعديك على قريش ومن أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمر هو لي).
فهذان الحديثان المؤلمان واللذان إنْ تدبّرنا بما وراء ظاهر الفاظهما لانتقلت اذهاننا، ورأت صوراً فظيعة ومشاهد مروّعة عمّا جرى على أهل البيت عليهم السلام، لا يمكن لذهن أنْ يتحمّلها تصوراً، فكيف به تحملها واقعاً، ولا نملك إلاّ أنْ نقول انّنا مما جرى عليكم متبرؤون، ولما وقع من مسمي المسلمين متألمون وانّ كل نفس يخرج منا يحمل في طيّاته همّاً لما أصابكم، لعلّ بذلك نكون قد واسينا ولو بعضاً من جليل ما رأيتم.