تمهيدنا: قانون الجاذبية الإلهي
تتنظّم الحياة بل وما وراؤها بمجموعة من القوانين، منها قانون الاجتماع، ولولا هذا القانون لما رأينا الحياة على ما هي عليه الآن، ولن يفارقنا هذا القانون، وقد تحدّث دين الإسلام عن أهميّة هذا القانون وضرورة الاهتمام به وتطويره والسعي من خلاله إلى بناء معمورة أُخروية لائقة بالإمكانات التي أُتيحت للإنسان، فَجَعْلُ القرآن الناسَ شعوباً وقبائل، وانّ الانس والجن معاشر يرمز إلى هذه الحقيقة الاجتماعية وضرورة الاهتمام بها لانّها تلازم الإنسان إلى الأبد.
وينطلق الإنسان من خلال هذه المنظومة المعاشرية وحالة الترابط الاجتماعية ليفتح آفاقاً رحبة لحياة سعيدة دائمية.
ولا بدّ من الإمعان نظراً في هذه المنظومة وما تَكفُله لمن يُحسن إدارتها والاستفادة منها في أبعادها المختلفة، فليس من الصحيح ما يقال إنّ النظام الاجتماعي يقتصر على نحو من أنحاء الحياة، ويستفيد منه الإنسان في هذا المنحى، بل هو يشمل جميع المناحي ويتعدّى أفقه الرحب إلى ما بعد عالم الدُنيا ليؤسّس من خلال هذه المنظومة أوضاعاً برزخية وأُخروية.
فالشخص الناجح اجتماعياً والذي يملك جاذبية مغناطيسية خاصة، عليه أنْ يستثمر هذه الحالة في البعد الفكري والعقائدي والروحي ولا يقصرها على ابعادها الماديّة والنفعيّة، ليخرج بذلك من اطار الفردية إلى اطار الأممية، وقد عكس لنا الموروث البشري فضلاً عن الديني أشخاصاً كانوا أُمماً، كإبراهيم عليه السلام، ولم يكن في صومعة منعزلة، إنّما كان فرداً مجتمعياً بما لهذه الكلمة من معنى.
من هنا تنجلي الصورة، أكثر وضوحاً وإشراقاً من خلال الانعكاسات الاجتماعية والموروثات الدينيّة، على أنّ الفرد -بما هُيئ له اجتماعياً_ قادر على استثمار هذه الطاقة والتأثير من خلالها بالأُمم ليرقى من فرديته ويصبح أُمّة.
وبطبيعة الحال إنّ الأشخاص الأُمميين يملكون من الجاذبية والتأثير من خلال الطاقة الكامنة فيهم لتغيير مسار الأُمم تصحيحياً ما لا يملكه غيرهم، فيبرز هنا دورهم الريادي في إصلاح المجتمعات والنهوض بها إصلاحاً للواقع أو تغييراً.
وفي موروثنا الإسلامي توجد مكامن طاقة كبرى ترفد هؤلاء الأشخاص بجاذبية وطاقة لا توفّرها أية فكرة أو عقيدة أُخرى، تلك هي المتمثلة بالعقيدة المهدوية وما تمثّله من عنصر الخلاص الذي يكتنز طاقة هائلة تدفع بالمؤمن به إلى التغيير الدائم نحو الأفضل، من خلال عناصر الإصلاح والانتظار والترقّب، فكل عمل يقدّم إذا نُظر إليه من خلال هذه المنظومة العقائدية المتكاملة هو قليل لما ينتظر وما هو قادم، وهو إصلاح جزئي يمهّد للإصلاح الكامل.
من هنا يرفد الإنسان المنتظِر بطاقة جديدة مضافة إلى الطاقة التي يشترك بها مع غيره، تؤهله لريادية كبرى وأممية أرقى، فكل فكرة أمام ناظريه تتلاشى في نظره أمام الشمولية التي يؤمن بها، وكل إصلاح قليل أمام ما يؤمن به من إصلاح جذري وشامل.
وأنتَ ترى كيف سيؤثر مثل هذا الفرد بالآخرين، وكيف تكون جاذبيته ومغناطيسيته أكبر مما عليه الآخرون ممن لا توجد لديهم هذه الأرضية الصُلبة التي تؤهّلهم للانطلاق التغييري.
فالعقيدة المهدوية عنصر جذب للمؤمنين بها، والمؤمنون الممارسون لها عناصر جذب لمن لا يؤمن بها، وهذه المعادلة لا تتمّ إلاّ بأنْ يؤمن الفرد بأنّ هناك قوة جاذبيتها أكبر وهيمنتها أعظم وامكاناتها أوسع، هي قطب الجاذبية الكبرى ومركز حركة المغنطة، ذلك هو الوجود المهدوي المبارك الذي عبّرت عنه بعض الروايات بأنّ وجوده هو مركز الحفظ الكوني، ولولاه لساخ الكون، لانعدام الجاذبية فيه وعدم ترابط اجزائه وتفككها.
رئيس التحرير