شرح زيارة آل ياسين/ الحلقة الثالثة عشر
هيئة التحرير
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الإِمَامُ الْمَأْمُونُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأْمُولُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ بِجَوَامِعِ السَّلاَمُ).
تشير الزيارة المباركة في هذه الفقرات الثلاثة إلى نحوين من السلام الخاص، ونحو ثالث عام، بعد أنْ تقدّم نيفاً وعشرين سلاماً خاصاً تحدّثت فيها الزيارة المباركة عن الصفات التي يتمتّع بها الإمام المهدي عليه السلام من كونه من العترة الطاهرة من آل محمد عليهم السلام وأنّه الدّاعي والربّاني والخليفة والباب والحجّة والعلم والغوث والرحمة وأنّه المبيّن، وهذه الصفات المتلونة والمتعددة، والتي كما بيّناها في الشروح السابقة يلمّح كل واحد منها إلى نحو مما يتمتع به الإمام عليه السلام من خصائص أو وظيفة من وظائفه التي يمارسها أو سوف يمارسها عند ظهوره، أو فعل يقوم به كعلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى من الصلاة والدعاء والقراءة وهكذا.
وبمجموع ما تقدّم الحديث عنه من صفات مضافاً إلى الصفتين الآتيتين - تعطينا مداليل نشير لها -، وهي كون الإمام مأموناً وأنه إمام للأُمّة بأجمعها، ووسيط في علاقتها بينها وبين ربّها، وانّ هذه الوساطة والتقدّم والقيادة في أعلى درجات الوثاقة والثبوت، فعبّرت الزيارة عن أنّ الإمام إمام مأمون، أي موثوق، أي إمام حقّ وصدق، ولا يوجد أي مجال للتردد أو التشكك أو التبلبل في ذلك.
ثم بعد ذلك ختمت الصفات الخاصّة بكون الإمام المهدي عليه السلام هو مقدّم على سائر الأُمّة وهذا مقتضى إمامته لها وانّه عليه السلام مأمول، وهذه الصفة التي تحكي لنا عن معاني غيبته وظهوره، إذ لولا الغيبة لما كان له ظهور ولما كان بينهما انتظار وأمل لغائب مأمول يُنتظر أنْ يظهر ليجسّد ما وصف على لسان الزيارة المباركة من صفات.
وختمت الزيارة بسلام جامع لما تذكره ولمجموع ما لم تذكره مجتمعاً، فإنّنا نعرف جيداً أنّ التلبّس بصفة له دلالة، والتلبّس بصفتين له دلالة أُخرى، والتلبس بمجموعة كثيرة من الصفات له دلالة ثالثة، وكأنّ الزيارة المباركة تريد أنْ تعطينا معانياً ثلاثة، الأوّل مدلول كل صفة بحالها، والثاني مدلول مجموع الصفات وأثرها، والثالث أنّ هناك صفات أُخرى ينبغي للمؤمن أن يسلّم بها على الإمام عليه السلام ويقرّ له بها، ويكون من قلبه تجاه إمامه تسليم واذعان بأنّه صاحب هذه الصفة، ولكنّه حيث أنّ بعض الصفات تكبر على بعض الناس، فالظاهر أنّ الزيارة المباركة قد اجملت ما لم تفصح عنه من صفات هي له بحسب الواقع بعبارة (السلام عليك بجوامع السلام) لأنّ بعض الصفات لو ذكرت لتردّد البعض في اعتقاد تلبّس الإمام عليه السلام بها، ورأفة بحال هؤلاء المؤمنين جاء الدعاء ليحافظ لهم على خصوصية الإذعان والتسليم بكل ما يتّصف به الإمام تفصيلاً في بعض الصفات وإجمالاً في بعضها الآخر، فحفظ لهم بهذا الإذعان الإجمالي صفة التسليم وفي نفس الوقت لم يكلفهم لو ذكرها تفصيلاً مشقّة الانكار أو التبلبل والشك.
فيعكس لنا المقطع الثالث من هذه الفقرة التي بصدد شرحها حالة من الرأفة بأفراد الأُمّة في حال إذعانها وتسليمها لما يحمل إمامهم الغائب المأمول.