تمهيدنا: المرجعيّة العُليا موقف التأريخ
يُثار تساؤل يصل صداه إلى أروقة الأجواء العلمية عن ضرورة حركة المرجعية وخطاباتها في مختلف الظروف التي يلتمس فيها تحديد المسار من هذا الكيان العظيم، وقد يعيش الكثير وحتى من الطبقة المثقّفة غموضاً اتجاه الآليات التي يتحرك بها المرجع الأعلى وكيفيّة إصداره بعض الفتاوى المصيرية التي تغيّر مسار الأُمّة في بعض الأحيان، وتؤسّس لمنعطف يعيشه الجيل الذي عاصر تلك الفتوى، بينما يختزن التأريخ تلك الحركة في المسار الشيعي على أنّها حفظت الكيان الإسلامي بشكل عام، والشيعي بشكل خاص من الإنزلاقات الكُبرى التي يخطّط لها ويراد أنْ يقع المسلمون _أو على أقلّ تقدير الشيعة_ فيها وقوداً.
إلاّ أنّ الذي لا يحسبُه صناع القرار في العالم كامريكا وغيرها أو أنّهم يغفلونه عمداً رغم تسليط الاضواء عليه في أحيان ما، هو دور المرجعية العليا، ولعلّ إغفالهم ذلك ناتج عن حساباتهم المادية المحضة أو غياب الموازين في آليات حركة المرجع الأعلى.
ولقد عشنا جميعاً أكثر من حالة كان للمرجعية العليا الدور الرائد والحافظ الأول لكيان الأمّة، فبعد الاحتلال الامريكي للعراق وبروز دور المرجعية العليا الذي كان مبعداً ومقصيّاً بسبب النظام البائد، شاهدنا جميعاً كيف خطط الأعداء لواقع سياسي في العراق إلاّ أنّه لم يتحقق من ذلك شيء، لإصرار المرجعية بقرار الانتخابات، وسار البلد باتّجاه حفظ جميع مكوناته مع اخذ كل منهم استحقاقه بحسب واقعه _ولولا ما قام به بعض الساسة_ لكان العيش الرغيد والكرامة والاستقلال هي النصيب الأوفر لجميع العراقيين.
نعم انّ الذي لا يحسب حسابه من قبل هذه الجهات هي المرجعية العليا ودورها، وفي المؤامرة الاخيرة التي اريد منها تفتيت العراق وتشتيت ابنائه كان ايضاً الاستبعاد في الحسابات لدور المرجعية وما كان منها حفظاً لكيان الأمة ومصالح ابناء هذا البلد إلاّ أنْ تصدر فتواها التاريخية لتقلب الطاولة من جديد وتأسس لواقع لم يحسب الآخرون حسابه.
فالذي يقرأ المعادلة التي رُسمت في المنطقة أو في بلدنا الحبيب على أقل تقدير، يرى أنّ كل الأدوات كانت مهيّأة لعمل ما، ونتيجته محسومة ومُخطّط لها، وقد رصدت لذلك من الأموال ميزانيات ضخمة وبدأت العناصر المعدّة بتنفيذ مخططاتها وباشرتها فعلاً.
وجاء الشيء غير المحسوب حسابه وهو المرجعية كالعادة.
فقلّبت أوراقها ودرست الواقع فرأت أنّ القرارَ _والقرارُ قرارُها_بحتميّة أنْ تصدر فتوى التأريخ، الفتوى التي انبهر عند سماعها الجميع بلا استثناء متسائلاً أيعقل!،أيمكن؟، كيف هذا؟، لمَ هذا؟، وتتالت الأسئلة والاستفهامات وعلائم الاستغراب والتعجّب.
فكان أوّل شيء أثارته أهميّة ما يحدث، ثم خلفيّة ما حدث، وبدأت كل الوسائل بتحليل هذه الفتوى التأريخية، ومنها انتقلت إلى خلفية الواقع، وأنّه لولا هذه الفتوى لما درس ما وراء الواقع، وأنّه لولا هذه الفتوى لما صحا ضمير الكثيرين، وأنّه لولا هذه الفتوى لماتت عروق حبّ الوطن بعد أنْ يبست أغصانه في نفوس المواطنين، وتتابعت وستتابع وتتوالى الكثير من الأسئلة.
والحقيقة التي يمكن أنْ نقولها وندركها هي أنّ هناك فتوى تأريخية حفظت المسلمين والأُمّة الإسلامية من منزلق خطير، حفظت الوطن والشعب والمقدّسات، حفظت الدماء والفروج والأموال، حفظت الكيان والمعتقد والفكر، وأسّست لوقائع وليس لواقع جديد، فالذي ينبغي لنا أنْ نقوم به جميعاً وبلا استثناء هو أنْ نضع هذه الفتوى في هذا الزمان على الطاولة، لندرسها وندرس أبعادها وما أفرزت، وما يترتّب علينا للوفاء ببعض استحقاقاتها.
رئيس التحرير