كل الأديان ركّزت على القائد المنتظر
محمد علي التسخيري
مما لا يتطرق إليه ريب انّ أهل البيت عليه السلام بمجموعهم قد ركّزوا على مسألة الإمام المهدي عليه السلام والاعتقاد به قبل أنْ يولد، وذلك تبعا للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبشارته به عليه السلام، ولا يختلف اثنان في هذا المعنى، وفي أنهم عليهم السلام أكدوا _من خلال الروايات الكثيرة_ على عنصر الانتظار الذي يجب أنْ يتحلّى به الإنسان المسلم في غيبة الإمام عليه السلام, مما يؤكد بعدا رائعا للشخصية الإسلامية بعد الغيبة، امتدادا لصفة الانتظار التي تحلّت بها شخصية المؤمنين عبر التاريخ، ونعني بها انتظار اليوم الموعود الذي يكون فيه الدين كلّه لله، والذي ينتشر فيه العدل فيملا الأرض بعد أنْ ملئت ظلماً وجوراً.
ومن الواضح أنّ صفة الانتظار هذه تعتبر من أشد الدوافع نحو تهيئة الأرضية اللازمة لتحقيق الوعد المنتظَر، أي استغلال تلك الدوافع في صالح الهدف المنتظَر، حتى أنّ بعض علماء الاجتماع المحدثين لا يطلقون اسم الإنسان إلاّ على (المنتظَر) .
وقد ركّزت الأديان كلها على القائد المنتظَر الذي يحقق اليوم الموعود، وأشارت إليه بالإجمال، ولكننا نجد أنّ الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى تركيزه على المنتظَر، قد سماه بالخصوص، وعّينه في أهل بيته عليهم السلام، وأنّه من ولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وركّز عليه في جملة تركيزه على الاثني عشر خليفة وأميرا من بعده.
وقليلة تلك المواضيع التي وردت فيها أخبار متواترة، كالتي وردت في المهدي عليه السلام، مما لا يدع للشك سبيلا في هذا المجال.
ونحن وإنْ لم يكن هذا المقال يسع البحث المطول في هذا الخصوص إلاّ إننا نشير إليها والى رواتها معتمدين على بعض المصادر، وما أكثرها:
أ_ يتجاوز عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عليه السلام أعلى حد موضوع للتواتر عند علماء الحديث وفيهم: عثمان, وطلحة, وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، والخدري, وأبو هريرة, وانس بن مالك, وابن اليمان, وابن إياس, وغيرهم كثير.
ب_ خرّج أحاديث الإمام المهدي عليه السلام بالإضافة إلى كل المعاجم والمسانيد الشيعية، ما يقارب الأربعين أو أكثر من كتب أهل السنّة التي ألفها الأئمة والحفّاظ فيهم، ومنهم: أبو داوود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي, واحمد، وابن حبّان، والحاكم, وابن شيبة, وأبو نعيم، والطبراني, والدارقطني, والبارودي, والبزار, والخطيب, وابن عساكر, وابن منده, والحربي, وتمام الرازي, وابن جرير, وغيرهم كثيرون.
ج_ ألّف الكثيرون كتبا مفصّلة في الإمام المهدي عليه السلام ومنهم: ابو بكر بن أبي خيثمة، والحافظ ابو نعيم, والسيوطي, وابن كثير, وابن حجر المكي، وعلي المتقي الهندي, ومرعي بن يوسف الحنبلي, والقاضي الشوكاني, ومحمد بن إسماعيل الصنعاني، وغيرهم.
د_ حكم بتواتر أحاديث المهدي عليه السلام كثيرون، منهم: الحافظ السجزي, وابن القيم, ومحمد البرزنجي, والشيخ محمد السفاريني, والقاضي الشوكاني, والشيخ القنوجي, والشيخ محمد بن جعفر الكتاني, وغيرهم، والباقون جميعاً اعتقدوا بأنها مستفيضة, بل لم ينكرها من الماضين سوى رجلين اثنين _على ما نقل الشيخ محسن العباد في محاضرته في جامعة المدينة المنورة_ وهما: أبو محمد ابن الوليد البغدادي الذي وصفه ابن تيمية نفسه: بأنّه ليس مما يعتمد عليه لضعفه. وقال الشيخ العباد: (ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور).
أمّا الثاني فهو ابن خلدون المغربي, ولم ينكرها صريحاً وإنما تردد في ذلك، وقد ناقشه الكثيرون من العلماء في ذلك، فقد جاء في كتاب (الإذاعة) تعقيبا على ذلك: (لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظَر، المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر).
والأعجب انّ ابن خلدون يقول في صدر الفصل الذي عقده للمهدي ما يلي: (اعلم انّ في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين).
ويعقب عليه الشيخ العباد قائلاً: (الا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الأعصار, كما ذكر ابن خلدون نفسه, وهل ذلك إلا شذوذ بعد معرفة انّ الكافة على خلافه؟ وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ؟ والأمر ليس اجتهاديا وإنما هو غيبي لا يسوغ لأحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب الله أو سنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والدليل معهم وهم أهل الاختصاص...).
وقد وردت في كلامه نقاط أهمها الإشارة إلى غيبية المسألة ومعالجتها من قبل غير اهل الاختصاص بمقاييس لا تتلاءم معها.
هـ_ ورغم زعم البعض، فقد وردت الأحاديث التي تشير إلى المهدي إجمالا في الصحيحين...
- منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
ومنها ما رواه مسلم قال: (فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعالى صلّ لنا فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمّة).
كل هذا إذا تجاوزنا عن الأحاديث التي نبخسها إنْ لم نصفها بالمتواترة لكثرتها_عن أهل البيت عليه السلام وهم أمناء الرسالة والذين ارجع الله إليهم الأمّة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بما لا يدع أي مجال للإنسان الواعي انْ يشكك في قضية الإمام المهدي عليه السلام.