السيد السيستاني بين حصاد الفعل وردة الفعل
محمد سامي
عندما يتحدث التاريخ عن الشخصيات التي صنعت أحداثه وكوّنت معالمه يستنفر كلّ فلسفته التحليلة في عملية غوص عميق البحار لاكتشاف مميزات وخصائص اللحظة الزمانية والمكانية التي انبثقت فيها تجلّيات القدرة الذاتية والموهبة الخاصة التي جعلت من هولاء يضعون توقيعهم في نهاية صفحة لايمكن طيّها، دون الوقوف طويلا عند سطورها والتمعن في مفرداتها ليجليها في مايسمى بسيرة العظماء، غير عابىء بماقد يحشد من شواهد مناقضة للحد من الفعل الاسطوري لها، لأنّ واقع التغيير أكبر شاهد على متانة جدار العطاء المتجاوز حدود الانتقاص او الإغماض او الاهمال، نعم هو لايقف عند الشخصيات الهامشية وإنْ كان لها دور ما في زمن ما ومكان ما، بل هو يتناغم مع حالة التاثير طويلة المدى لأنّها تسبق زمانها في قراءتها وتنشئ قراءة لزمن قادم، وتصنع فكرة تصبح مثالا يتمنى أنْ تدوم خوف عدم التكرار بسرعة، مما يبطىء حركته الشغوفة بالسرعة في التغيير مع أصالة في التعبئة الروحية والفكرية والعملية.
ولانكاد نجد غير هذا النمط من القادة احتفظ بأسمائهم التاريخ، خصوصاً أولئك الذين يبدأون من القاع أو يتميّزون عمّن أورثهم وجودا سلطويا على نحو وشكل ما.
وعندما نتحدث عن السيد السيستاني(دام ظله) فإنّنا لانستطيع إلا أنْ نعتبره حالة استثنائية في كونه خليطاً في تكوينه القيادي، من حيث كونه من العظماء الذين أتوا من القاع والذين أورثوا وجوداً سلطوياً وإنْ كان لاينتمي للمتعارف من التوريث النسبي، بل هو توريث استحقاقي صنع في القرار المذهبي من قبل قادته الأوائل، نعم هو من القاع حيث لاينتمي للعائلات ذات النفوذ القوي في عالم التشيّع -وان عرفت العائلة بعض البروز العلمي والاجتماعي المحدود- ونستطيع أنْ نقول وبضرس قاطع إنّه في المجتمع العلمي الابرز _النجف الاشرف- هو من هذا العالم، عالم القاع إلا أنّ هذا القائد المتجرّد عن عقدة البيت والانتفاخ الفقاعي، وفي شغف قلّ نظيره لاستنباط مجموعة المعارف الخالقة للشخصية المتطورة ثقافياً في أبعادها الواسعة ومعرفة ملتصقة بالواقع في تقدير النفس بماتمتلك من قدرة على الاستيعاب، وذكاء يدلّل عليه تلك الطبيعة المماحكية في بيئة.
جعلته يتعامل مع الأمور كما يتعامل مفكّر يقدّم كل ما لديه نشاطاً تحليلياً للأوضاع الطارئة، إنْ في ثورة إيرانية، او صدرية عراقية، او في قراءة لطبيعة النظام القائم في العراق، فهو الفعل الذي يأبى أن يستجير الى دهاليز السياسة، بما فيها من مقتضيات التغيير نتيجة عدم نزاهة في مكان، او قصور في مكان آخر، او استعجال في مكان آخر، هو أبداً لايجمد عند القرار الأول عند اكتشاف تعثّره، ولعلّه نادر في تفاعله، لأنّه يكون قد استعدّ لذلك جيداً.
ان السيد السيستاني(دام ظله) عندما يتعامل مع حادث ما تمثّل في شخص أو تمثّل في مجموعة، كان مناخاً عاماً ام ظاهرة مستجدّة، لايتعامل معها فقط نتيجة حكمة الكبار أو حساب الربح والخسارة الانيّة، بل هو يستظهرها من أعماق ماقيل وحدث في سبر واسع وممنهج، رابطاً بين السطور جملاً مفيدة بعد أنْ كانت مبعثرة هنا وهناك، السيد السيستاني(دام ظله) هو يحصد فعلا ينتجه في كتاب المرجعية التي استقى من قادتها الأفذاذ كل مايمكن أنْ يجنّبه الوقوع في عملية نقدية نتيجة تراكم اخطاء لم تؤخذ في الحسبان نتيجة عدم استيضاح مايجب أنْ يكون عليه الحال، وأضاف له معنى جديد وهو عدم ترك أي فراغ تاريخي يعبر عليه من لايجيدون او لايريدون أنْ يحسنوا نواياهم فيما كان ليصنعوا منه معبرا لمايريدون أنْ يكون .
نعم هو(دام ظله) يجابه الفعل من الآخر بردّة فعل، ولكنّها لاتنزلق في العاطفة غير المدروسة، مستوعباً الأزمة البشرية من الانسحار بالصوت العالي والفعل المضخّم والتضليل المدروس والدعاية الزائفة، فموسى عليه السلام لم يغب طويلاً حتى عبد العجل، ناهيك عن أنّ هارون عليه السلام بين ظهرانيهم في شطارة الاستغلال من سامري التيه الذي استمر اربعين عاماً -كما في المشهور من التراث- وهذا مانلاحظه عند السيد السيستاني(دام ظله) في ماجرى في الانتخابات الأخيرة من وقوفه عند عتبة الخطاب العام في عمليّة لاتصدر إلاّ من قائد يعرف كيف تسير الأمور وإلى أين .
السيد اليستستاني(دام ظله) عندما تحرك في دعواه للتعبئة الدفاعية عند الشعب العراقي لم يتحرك في لحظة عاطفية خالية من دراسة لمجريات الأمور ومايمكن أنْ تلعبه القوى غير المحايدة في التشويش والتلاعب وهي مهنة متوارثة لدى شطر معتدّ به من الذين يجيدون فن البيع والشراء والاصطياد في الماء العكر.
نعم هو لم يتخل ولن يتخلى عن حماية شعبه، وكل هذا في نطاق القرار الدولي المحارب للإرهاب العالمي.
شفقنا / ١٨ يونيو ٢٠١٤