تمهيدنا: التقديم الإلهي والتقديم البشري
يُقدم لكَ بعض الناس أنفسهم أو بعض الجهات على انّهم روّاد إصلاح لما تعانيه الأُمم من إشكالات كبيرة على مستوى الفكر والسياسة والاقتصاد، بل والاخلاق، وعندما تبحث عن هؤلاء تجد أنّ اغلبهم إنْ لم يك جميعهم مبتلون بنفس المشاكل التي يسعون لتخليص المجتمع منها، ولعل ما فيهم منها اكثر مما في مجتمعهم.
لذلك تجد أنّ من الندرة بمكان نجاح حركات الإصلاح التي يدّعيها البشر، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة الحيّة، فمثلاً الأُمم المتحدة باعتبارها جهة ترعى حفظ حقوق الناس والبلدان نرى أنّها أكثر الجهات انغماساً في انتهاك حقوق الناس والبلدان، امّا من جهة الافراد فالامثلة كثيرة ولا يخفى على أحد في أي بلد أنّ الزعامات السياسية، بل وحتى الفكرية قبل أنْ تتبوأ مناصب معينة تجد أنّها ترفع لافتات الاصلاح، ولكنْ بعد ذلك تجد أنّ الحركة والميدان يعجّ بالفساد والتخلّف.
لابدّ أنْ نفكر ملياً هل أنّ هذه الحالة المستمرة ومنذ قرون عديدة، هل هي محض صدفة أو انّها تقدير إلهي ممزوج _ولو بنسب مختلفة_ بما نجنيه نحن بسبب أفعالنا على أنفسنا؟.
الإرث الروائي والتأريخي يعكس لنا أنّ الإرادة الإلهية لو ترجمت ممارسات فعلية من قبل افراد أية أُمّة من الأمم لكان الاصلاح حقيقياً والنتائج المرجوة واقعاً.
وحيث أنّ هذه الحركة لا يقوم بها إلاّ شخص إلهيّ ينزّه عن أنْ يقوم بتصدير فكرة أو القيام بممارسة ينتفع منها على حساب غيره كان لابدّ أنْ نجري هذه المقارنة بين التقديم الإلهي والتقديم البشري.
فالله تعالى يقدّم لنا الأشخاص المؤهلين لإنتاج الإصلاح الحقيقي، بينما نسعى نحن وراء الأشخاص المزيّفين فيقدمون لنا إصلاحاً شكلياً، وهذه هي حقيقة المشكلة والمأزق الذي وقعت فيه البشرية بمختلف أفرادها والدول والجماعات بمختلف انتماءاتها إلاّ من رحم ربك _وليس له سلطان_.
فللخروج من هذه الحالة المستعصية والتي تؤرّقنا جميعاً وتأخذ بلبّنا تفكيراً أنْ نسأل عن التقديم الإلهي للإصلاح وعن صفات من يقدّمه الله تعالى مصلحاً للبشرية وهادياً للأُمّة؟.
يأتي الجواب أنّ على قمّة ما يتّصف به هذا الشخص المقدّم إليهاً من صفات هو أنْ يكون معصوماً.
من هنا نفهم سر اشتراط العصمة في الهداية والإمامة وسر اجماع الشيعة على أنّ أي شخص يريد هداية الناس جميعاً لتحقيق أمانيهم لابدّ أنْ يكون معصوماً، وإلا وقعنا فيما وقع فيه غيرنا، ونتائج ما وقعوا بين يديك، وأنت تختار إمّا أنْ تقدّم من قدّمه الله تعالى وتؤمن به وتتبّعه، أو تقدّم من قدّمه الناس وتؤمن به وتتبعه، وكلّ يجني تقديمه.
رئيس التحرير