العلّة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام عليه السلام
الشيخ الصدوق / صاحب كتاب (كمال الدين)
إنّ تصديق قولنا: (إنّ الإمام عليه السلام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه)، أنّه ما عذب الله عز وجل أمة إلا وأمر نبيها بالخروج من بين أظهرهم كما قال الله عز وجل في قصة نوح عليه السلام (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول) أي منهم، وأمره الله عز وجل أن يعتزل عنهم مع أهل الايمان به ولا يبقى مختلطا بهم، وقال عز وجل: (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) وكذلك قال عز وجل في قصة لوط عليه السلام (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ) فأمره عليه السلام الله عز وجل بالخروج من بين أظهرهم قبل أن ينزّل العذاب بهم لأنه لم يكن عز وجل لينزل عليهم ذلك العذاب، ونبيّه لوط عليه السلام بين أظهرهم، وهكذا أمر الله عز وجل كل نبي أراد هلاك أمته أن يعتزلها كما قال إبراهيم عليه السلام مخوفا بذلك قومه (وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا*فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) أهلك الله عز وجل الذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم وجعلهم الأسفلين ونجاه ولوطا كما قال الله تعالى: (وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتي بارَكْنا فيها لِلْعالَمينَ) ووهب الله (جلّت عظمته) لإبراهيم إسحاق ويعقوب كما قال عز وجل: (وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحينَ).
وقال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فيهِمْ).
وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجة في الانتفاع بالحجة الغائب عليه السلام، وذلك أن القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين ولا يشم بالأنف ولا يذاق بالفم ولا يلمس باليد وهو مدبر لهذه الجوارح مع غيبته عنها، وبقائها على صلاحها، ولو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها، فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الامام عليه السلام لبقاء العالم على صلاحه ولا قوة إلا بالله.
وكما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر، فكذلك يعلم مكان الحجة الغائب عليه السلام بالخبر، وهو ما ورد عن الأئمة عليهم السلام من الاخبار في كونه بمكة وخروجه منها في وقت ظهوره، ولسنا نعني بالقلب المضغة، التي من اللحم لان بها لا يقع الانتفاع للجوارح و إنما نعني بالقلب اللطيفة التي جعلها الله عز وجل في هذه المضغة لا تدرك بالبصر وإن كشف عن تلك المضغة، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلاّ بالعلم بها لحصول التمييز و استقامة التدبير من الجوارح والحجة بتلك اللطيفة على الجوارح (قائمة ما وجدت والتكليف لها لازم ما بقيت فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح وسقط التكليف عنها فكما يجوز أن يحتج الله عز وجل بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواس على الجوارح فكذلك جائز أن يحتج عز وجل على جميع الخلق بحجة غائب عنهم، به يدفع عنهم، وبه يرزقهم، وبه ينزل عليهم الغيث ولا قوة إلا بالله).