علامات الظُهور والتعاطي معها
مرتضى علي الحلي
إنَّ الأئمة المعصومين قد وضعوا حلولاً وخيارات منطقية وعقلانية في صورة التعاطي مع أحداث ما قُبيل الظهور الشريف حتى يتوضَّح الموقف ويبين الحال وتتلخص هذه الحلول بـ:
أولاً: عدم التوقيت، والذي هو سلوك يُرادف التطبيق غير الصحيح واقعاً.
فعن الفضل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قلتُ لهذا الأمر وقت؟.
فقال عليه السلام كَذِبَ الوقّاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون إنَّ موسى عليه السلام لما خرج وافداً إلى ربه واعدهم ثلاثين يوما فلما زاده الله على الثلاثين عشرا قال قومه: قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به فقولوا صدق الله، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرتين) وهنا إشارة واضحة من الإمام المعصوم إلى قضيّة تَحُّكُم نظام البداء الإلهي في العلامات غير المحتومة.
ثانياً: عدم الإستعجال في التعاطي مع العلامة غير المحتومة:
عن أبي المرهف، عن أبي جعفر قال: (الغُبرة على من أثارها أي أثر الغبار يقع على مَن أثاره وحرّكه، هلكَ المحاضير المُستعجلون في قيام دولة الحق قبل أوانها، قلتُ جُعلتُ فداك وما المحاضير؟ قال عليه السلام المُستعجلون أما إنَّهم لنْ يريدوا إلاّ مَن يعرض لهم، ثم قال عليه السلام يا أبا المرهف أما إنهم لم يريدوكم بمجحفة: داهيّة: إلاّ عرض الله عز وجل لهم بشاغل ثم نكتَ أبو جعفر في الأرض ثم قال عليه السلام يا أبا المرهف! قُلتُ لبّيك قال أترى قوماً حبسوا أنفسهم على الله عز ذكره لا يجعل الله لهم فرجا؟ بلى والله ليجعلنّ الله لهم فرجا) فالإمام المعصوم قد نهى عن التسرّع للأمور وعدم التأنّي والتأمّل في عواقبها، وحذّرَ من المسارعة إلى اظهار ما في النفوس مما قد يأتي مُخالفاً للواقع.
ثالثاً: ضرورة وعي العلاقة والإرتباط بين تحقق العلامة غير الحتمية ونظام البداء والقضاء غير المُبرم إلهيّا:
عن الفضل الكاتب، قال كنتُ عند الإمام الصادق عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال عليه السلام: ليس لكتابك جواب اخرج عنا، فجعلنا يُسار بعضنا بعضا فقال عليه السلام:
(أي شيء تُسارّون يا فضل إنَّ الله عز وجل ذكره لا يَعجل لعجلة العباد ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله).
ثم قال: (إنَّ فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان، قلتُ (الرواي) فما العلامة فيما بيننا وبينك جُعلتُ فداك؟ قال عليه السلام: لاتبرح الأرض يافضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا _يقولها ثلاثاً_ وهو من المحتوم).
ودقّة هذه الفقرة تتجلى في أنَّ الله تعالى لا يَعجل لعجلة العباد ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال مُلكٍ لم ينقض أجله.
و تحكي عن دقّة نظام البداء والقضاء الإلهي الحكيم، وبهذا يتبيَّن أنَّ من جملة ما مطلوب منا عَقْدياً في عصر الغيبة الكبرى هو ضرورة الإيمان بعقيدة البداء الإلهي والقضاء، بحيث يتولَّد في نفوسنا مِشعَل الأمل والرجاء والطمأنينة بحقيقة كون مجاري الأمور ومصائرها هي بيد الله تعالى ولا تخرج عن سلطته إطلاقاً.
عن الإمام الصادق ما عُظِّمَ اللهُ بمثلِ البداء.
رابعاً: معرفة العلامة:
أي معرفة الإمام المهدي عليه السلام هويةً وعقيدةً.
عن عمر بن أبان قال سمعتُ الإمام الصادق عليه السلام يقول: (إعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرك، تقدَّمَ هذا الأمرُ أو تأخر، إنَّ الله عز وجل يقول: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) الإسراء: ٧١.
فمَن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المُنتَظَر.
وهنا يظهر جليّا أنَّ وظيفة الإنسان المؤمن المُنتَظِر لإمامه المهدي عليه السلام تتحدّد بمعرفة كونه هو إمام وقته بحق وهذه المعرفة تتكفل بإبراء ذمة صاحبها عقديا وشرعيا وتجعله ممَن يُدعون بإمامهم الحق يوم القيامة وإنْ لم يدرك ظهور وقيام الإمام المهدي عليه السلام، فإذاً إنَّ ظهور الإمام المهدي عليه السلام وقيامه بالحق والعدل هو مُرتبط كلياً بإرادة الله تعالى النافذة وجوديا ومرتبطٌ بظروف وشروط مرحلة التحقق والوقوع فعليّا وهذه الظروف والشروط تنخلق قُبيل وقتها بما يضمن حتميَّة تحقق الظهور الشريف وقيام دولة الحق الإلهيّة في الأرض.