من فقهائنا
شيخ الطائفة الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس سره
(سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على حياة الفقهاء النواب للامام المهدي القائم عليه السلام لنستلهم من حياتهم الدروس والعبر في مواجهة الصعاب والفتن)
علم خفاق في عالم الفكر الإسلامي، وشخصية فريدة من نوعها في تاريخ الإسلام. فهو كالطود الشامخ في آثاره، واليم الخضم المتلاطم الأمواج في أفكاره وآرائه، وهو بحق قطب رحى الدين، وأحد أكبر دعائم الإسلام، عماد الشيعة، ورافع أعلام الشريعة. فالثقافة الإسلامية بكل فروعها مدينة لجهود هذا الرجل العظيم، الذي نذر حياته لخدمة الإسلام، وأدى إلى الفكر الإسلامي خدمة منقطعة النظير.
ولادته:
ولد الشيخ الطوسي في طوس خراسان، في شهر رمضان عام ٣٨٥ هجرية, بعد وفاة الشيخ الصدوق قدس سره فدرس أولا في مدارس خراسان.
ثم شد الرحال إلى بغداد - عاصمة العلم آنذاك - في عام ٤٠٨ هجرية وهو ابن ثلاثة وعشرين عاما، وذلك أبان زعامة ومرجعية شيخ الفرقة الحقة آنذاك الشيخ المفيد قدس سره, استقل الشيخ الطوسي بالظهور، بعد وفاة السيد المرتضى قدس سره حيث انثنت له وسادة المرجعية العليا للطائفة، وتفرد بالزعامة الكبرى، وأصبح وحيد العصر بلا منازع، حتى أن خليفة الوقت القائم بأمر الله (عبد الله بن القادر بالله أحمد) أسند إليه كرسي الكلام والإفادة، ولم يكن هذا الكرسي ليمنح إلا للأوحدي من الناس في ذلك العصر، والمتفوق على الكل علما وعملا وكمالا . فلم يفتأ شيخ الطائفة على هذا المنوال اثني عشرة سنة مقصودا لحل المشكلات، وأداء المهمات، وقضاء الحاجات، حتى حدثت القلاقل والفتن والاضطرابات. وجد الشيخ الطوسي في إخمادها وإطفاء لهيبها، ولكن الحظ لم يحالفه، فاضطرمت نيرانها أكثر فأكثر. تلك الأحداث المؤلمة التي شنها ( طغرل بك ) أول ملوك السلجوقيين على الشيعة العزل من السلاح، عند دخوله بغداد عام ٤٤٧ هجرية، فأمر بإحراق مكتبة شيخ الطائفة العامرة بأمهات الكتب الخطية الثمينة، والتي لا تقدر بثمن، ونافت كتبها على عشرة آلاف مجلد، وهي بحق من أعظم المكتبات العالمية، وفي خضم الأحداث المؤلمة آثر الشيخ الطوسي الهجرة إلى النجف الأشرف حيث مرقد سيد الأبطال أمير المؤمنين علي عليه السلام، فوضع بذلك اللبنة الأولى لأكبر جامعة علمية إسلامية في النجف الأشرف، وشيد أركانها، فأصبحت ربوع وادي الغري تشع بمظاهر الجلال والكمال.
مكانته العلمية:
سرى ذكره يطوي المفاوز والحزوم عبر حقب الزمن . فلا تجد صقعا إلا وفيه عبقة فواحة من فضله، وألق من نبله. وإن اليراع لعاجز عن وصفه، والإطراء عليه، ومهما أراد الإنسان الغور والغوص في عظمة هذه الشخصية الفذة، كلما ازداد تعجبا من مواطن العبقرية والنبوغ الفكري الخلاق، راعى انواع العلم والمعرفة وجمع أشتات الفنون، وكفاه مدحا أن يلقب ( بشيخ الطائفة ).
كتبه ومؤلفاته:
امتاز الشيخ الطوسي قدس سره بكثرة التآليف القيمة، والتصانيف الجيدة، الغنية عن كل إطراء وثناء.
ومنها: الخلاف, المبسوط, مصباح المتهجد, تهذيب الأحكام, الأستبصار, الغيبة, الأمالي, وغيرها العشرات من الكتب والرسائل.
مشايخه وأساتذته:
للشيخ الطوسي أساتذة كثيرون، ومشايخ كبار، نذكر أهمهم وهو - الشيخ محمد بن
محمد بن النعمان، المشتهر بالشيخ المفيد قدس سره.
وفاته:
توفي أبو جعفر الطوسي قدس سره، فقيه الإمامية بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام» ودفن في داره, وهي الآن من اشهر مساجد النجف الاشرف.