قصة قصيرة: طاهر وضيق العيش
محمد حسن عبد
جلس طاهر ليلته مستقبلاً القبلة بين محل السفينة وبين دكّة القضاء في مسجد الكوفة.
كان الرجل مهموماً مغموماً يفكّر في قوت عياله، وفي ضيق العيش الذي هو عليه، وهو يشكو حالهإلى القادر المتعال، مظهراً رضاه بما قسمه له.
كانت نفس طاهر راضية مطمئنّة لقدر ربّه أنْ يريه وجه سيّده ومولاه صاحب العصر والزمان عليه السلام. فإذا به يرى نفسه واقفاً على قدميه وبيده سجّادة بيضاء، ويده الأخرى بيد شاب جليل القدر تلوح منه آثار الهيبة والجلال، يلبس لبساً نفيساً يميل إلى السواد.
تصوّر طاهر أنّ من زاره هو أحد السلاطين، ولكن كيف وقد كانت على رأسه عمامة.
كان مع الشخص المهيب شخص آخر بلباس أبيض، مشى الجميع إلى دكّة القضاء قرب المحراب، وعندما وصلوا إلى هناك قال الرجل الجليل:
- يا طاهر إفرش السجادة.
ففرشها باتجاه القبلة.
فقال الرجل الجليل:
- كيف فرشتها يا طاهر؟
فلم يعرف طاهر كيف يجيب لدهشته، فقال بدون شعور:
- فرشتها بالطول والعرض؟
فقال الرجل الجليل:
- ومن أين أخذت هذه العبارة؟
فقال:
- أخذتها من الزيارة التي كنت أزور بها سيّدي القائم عليه السلام.
فتبسمّ في وجهه وقال:
- لك شيء من الفهم.
وقف الرجل على السجّادة وكبّر تكبيرة الإحرام وإذا بنوره يزداد وصار كالخيمة، حتى أنّه حجب النظر عن وجهه المبارك.
ولما فرغ من صلاته. قال لطاهر:
- أيّ السلاطين كنت تظنّني؟
فقال:
- يا مولاي أنت سلطان السلاطين، وسيّد العالم ولست أنت من أولئك.
فقال:
- يا طاهر قد وصلت إلى بغيتك، فما تريد؟
لم يقدر طاهر أنْ يتكلّم معه لهيبته. ولم تمض أكثر من طرفة عين حتى رأى طاهر نفسه ليس معه في المسجد أحد.
لقد توسّع بعد ذلك رزقه، وانفتح أمر معاشه.