العلاقة بين الإمام والأمة
لقد غاب الإمام الحجّة عليه السلام عن عيون شيعته إلى أنْ يقضي الله أمر ظهوره ونصرة دينه ليُظهره على الدين كلِّه، ولكنّه لم يغب يوماً عن قلوبهم ومسيرتهم، بل هو حاضر على الدوام، يُشرق بنوره على قلوبهم، ويُلهم عقولهم ويشحذ هممهم، ينتظرون لقاءه ويطمعون بنظرة منه إليهم، نظرة رضا تبعث الدفء في ليالي غيابه الباردة، وتكسر عتمتها بفجر أمل لقائه الصادق، هو حاضر عليه السلام رغم غيابه، وشيعته أيضاً حاضرون غير غائبين عنه، يُتابع أخبارهم، تفرح عيناه عند رؤيتهم في حال الطاعة، وتحزنان إن وقعوا _والعياذ بالله_ في حبائل المعصية.
(نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين. حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح لنا ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين. فإنّا نُحيط علماً بأنبائكم. ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم).
هكذا هو عليه السلام مع شيعته بعقله وقلبه وعنايته وبركاته.
وهكذا شيعته أيضاً، قلوبهم تذوب بحبِّه، هم أهل الطاعة والاعتصام والصبر، كما تصفهم رواية ينقل فيها الإمام عليه السلام كلاماً قاله له أبوه الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
(واعلم: أنَّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص نُزّع إليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها. وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند الله بررة أعزّاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصّهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتساع العزّ في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى وكرامة حسن العقبى).