تمهيدنا: مَنْ نَحنُ؟
لكل مضمار في الحياة سلّم يقاس به المجدّون المحصّلون، فيميّزون عن غيرهم من المتكاسلين والمتقاعسين، وبين هاتين الطبقتين توجد طبقات أُخرى، ويوجد أيضاً عنصر ثالث لا يريد أنْ يحسب على واحدة منهما، وهم أصحاب التّلّ.
وفي التاريخ مقولة مشهورة: (الصلاة خلف علي عليه السلام أتمّ، والطعام عند معاوية أدسم، والوقوف على التّلّ أسلم).
والسنن الكونيّة جارية في الجميع، والناس هم الناس، والزّمان هو الزّمان ولم يتغير من ذلك شيء.
وفي سيرنا إلى الله سبحانه وتعالى، وهو أهمّ مضامير حياتنا، وبه ترتهن نتائج آخرتنا يأتي مجال هذه المقولة واسعاً، لتبرز مجموعة من التساؤلات تتمحور حول الأدوار التي تقع على عاتقنا في هذا الزّمان تجاه القضايا الشرعيّة والدينيّة، ومن بين أبرز تلك القضايا التي يجب أنْ يكون تجاهها موقف صريح وواضح ومبني على أُسس عقائديّة وفكريّة سليمة، هو مضمار القضية المهدويّة، وبطبيعة الحال لا نعني بالقضيّة المهدويّة القضيّة كلّها، فالكثير ممّن نَحنُ في وسطهم لهم موقف واضح تجاه الإيمان بها، والاعتقاد بأكثر مفاصلها، إلاّ أنّ الذي لابدّ من الحديث عنه هو فرع من فروع هذا المضمار، ذلك هو التمهيد والانتظار.
فالتّمهيد مفردة كما الانتظار، نلوكها كثيراً إلاّ أنّ الأكثر منّا لا يعرف كيف يمهّد وينتظر، وبم يمهّد، وكيف يكون منتظراً...؟.
هنا يأتي مجال تلك المقولة التي تحدّثنا عنها قبل قليل في هذا المضمار، لنصارح أنفسنا ونسألها أنَحنُ من المجدّين المخلصين في مضمار التّمهيد والانتظار، وهل فعلنا ما يقع على عاتقنا لنسأل: متى الظهور؟.
وهل أفرغنا التكاليف الموجهة إلينا، ليأتي الحديث عن قرب الظهور أو بعده، وعن جدوى الانتظار وعدمه؟.
أيّها الأحبّة انّه في هذا المجال تتوجّه علينا _وعلى أقل تقدير_ تكاليف اخلاقية ينبغي أنْ نتحلّى بها، لنتحدث بعد ذلك عن هذه الجوانب الجوهريّة من القضيّة المهدويّة، فلابدّ أنْ يكون الإنسان مجدّاً في تهذيب نفسه وتربيتها، فضلاً عمّن يحيط به ويكون هو مسؤولاً عن رعايته، وفي جوانب كثيرة لابدّ أنْ تنتشر العفّة في اللسان كما في الأبدان، لابدّ أنْ تنتشر مفاهيم السلم والإسلام والسلام، لابدّ أنْ تنتشر مفاهيم التسامح والودّ والاحترام، لابدّ أنْ تنتشر التربية السويّة، وينتشر الالتزام، ونعمل بمبادئ النُّظُم والانتظام لنهيئ أنفسنا كي نكون أفراداً منضبطين ملتزمين منظّمين لقيادة مجتمع مؤهّل للتلبّس بمفهوم التمهيد للإمام عليه السلام.
لِمَ لمْ يسأل كثير منّا نفسه: أليس ينقص الإمام عليه السلام العدّة من المؤهّلين المؤمنين، ليقوم ببسط العدل بين الناس أجمعين، لِمَ لا نسعى أنْ نكون بعضاً من هذه العدّة، وليس بحديث من هنا أو هناك، إنّما بممارسات عمليّة نتأهل بها لأنْ نكون على وفق هذه الصفات التي تطلبها الشريعة من أفرادها.
إنّ التمهيد الانتظاري هو من أرقى ما يجب أنْ نتمتّع به في زماننا، وقد أشارت بعض النصوص الحديثيّة إلى أنّ هذه الحالة هي أفضل الأعمال التي يتقرّب بها في آخر الزمان!.
فلابدّ أنْ نلتفت جيداً، وبدقّة وبتأمّل كبير إلى كيفية صيرورة المنتظر الممهِّد في آخر الزّمان متلبّساً بأفضل الأعمال، وكيف يصبح هذا العمل يثقل في الميزان بقيّة الأعمال والقربات، أليس ما يتحلّى به هذا الفرد من ميّزات وخصوصيات، أليس هو الجدّ والاجتهاد والاخلاص؟.
أيعقل أنْ يكون سبب تميّز هؤلاء _أي المنتظرين_ هو الخنوع والتكاسل والتخاذل والاهمال وعدم الانضباط؟ أيعقل أنْ يكون ميّزة هؤلاء هي البحث عن المنافع، أو الركون إلى السلامة، والابتعاد عن مضمار الحياة والتحمّل فيها للخروج منها بنجاح؟، انّه التساؤل الكبير الذي يجب أنْ نجيب عليه بأنفسنا، ونصارحها لنعرف يقيناً من نَحنُ؟.
رئيس التحرير