السفارات الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام/ الحلقة الثانية
الشيخ خليل رزق
كنا في الحلقة الأولى قد بيّنا بداية تاريخ ادعاء السفارة وتسلسل ذلك التاريخ وبعض الذين ادّعوا ذلك، وها نحن في هذه الحلقة نبيّن بعضاً آخر.
ثالثهم _ أحمد بن هلال الكرخي:
وكان من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والذي يظهر من كلام الشيخ الطوسي أنّ ابن هلال بقي مؤمناً صالحاً، خلال سفارة السفير الأول، ولكنه بمجرّد أن ذهب السفير الأول إلى ربه بدأ بالتشكيك بسفارة الثاني، بحجة إنكار النص عليه من قبل الإمام العسكري عليه السلام ويقول: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة. وليس أُنكِر أباه _ يعني عثمان بن سعيد _ فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسُر عليه فقالوا: قد سمعه غيرك فقال: أنتم وما سمعتم. ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرّؤوا منه.
وترتب على تشكيكه هذا في أبي جعفر رضي الله عنه عدم دفعه أموال الإمام عليه السلام إليه، وعصيانه للأوامر الصادرة منه عن المهدي عليه السلام، ممّا أدى به إلى الكفر والجحود.
رابعهم _ أبو طاهر محمد بن علي بن بلال:
وقصّته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وتمسّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام عليه السلام، وامتناعه من تسليمها، وادّعائه أنه الوكيل حتى تبرّأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف.
وقد كان له جماعة من الأصحاب والمؤيدين، منهم أخوه أبو الطيب، وابن حرز وغيرهم من الأصحاب.
وقد جاهد أبو جعفر العمري رضي الله عنه واستعمل الأساليب لردعه وتقويم انحرافه، وأخذ الأموال منه لإيصالها إلى الإمام عليه السلام فلم يفلح وبقي ابن بلال على انحرافه وتمسّكه بالأموال والأصحاب.
فمن ذلك: أن أبا جعفر العمري قصد ابن بلال في داره، وكان عنده جماعة، فيهم أخوه أبو الطيب وابن حرز فدخل الغلام فقال: أبو جعفر العمري على الباب، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت ولم يستطع ابن بلال أن يحجبه. فقال: يدخل.
فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه. فأمهلهم إلى أن سكتوا. ثم قال العمري: يا أبا طاهر أنشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان بحمل ما عندك من المال إليّ. فقال ابن بلال: اللهم نعم. فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة. فلمّا تجلّت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟
فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر إلى بعض دوره، فأشرف علي _ يعني صاحب الزمان _ من علوّ داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه _ أي إلى العمري. فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان؟
قال: قد وقع من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه، ما علمت أنه صاحب الزمان، فكان هذا سبب انقطاعي عنه.
خامسهم _ الحسين بن منصور الحلاّج:
وهو الصوفي المشهور، وكان سلوكه واضحاً ومعلوماً لدى جميع الناس في انحرافه عن خط أهل البيت، ولم يكن في فكره وعقيدته يمتُّ إلى التشيع بصلة.
ومما روي عنه أنه لمّا قدم بغداد أراد أن يغري أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي، وهو من علماء الشيعة الأجلاء في تلك الفترة، ويمت إلى الشيخ ابن روح النوبختي برابطة النسب.
فأرسل إليه مدّعياً أنه وكيل صاحب الزمان ظاناً أنه يستميله إليه، وهذا ما يستوجب أيضاً انقياد غيره إليه وذلك لعظم أبي سهل في أنفس الناس، ومحله من العلم والأدب.
ومما قاله له: إنّي أُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوّي نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخفّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحبُّ الجواري وأصبو إليهنَّ. ولي منهن عدّة أتحظّاهنّ والشيب يبعدني، وأحتاج أن أخضّبه في كل جمعة. وأتحمّل منه مشقّة شديدة لأستُر عنهن ذلك، وإلاّ انكشف أمري عندهن، فصار القرب بُعداً والوصال هجراً، وأُريد أن تُغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته، وتجعل لحيتي سوداء، فإني طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك مع مالي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلمّا سمع ذلك الحلاّج من قوله وجوابه علم أنه أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يردّ إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيّره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وأضحوكة، يستهزئ به الناس، وشهّر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه.
وحين ذهب الحلاج إلى قم كاتب علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، وهو من أجلاّء علمائنا، وهو أبو الشيخ الصدوق قدس الله سرهما، وادّعى له الحلاج: أنه رسول الإمام ووكيله.
فلما وصل خطابه إلى ابن بابويه، مزّقه، وقال لرسول الحلاّج: ما أفرغك للجهالات! فقال له الرجل: فإنّ الرجل قد استدعانا فلما خرقت مكاتبته؟ وضحكوا منه وهزؤوا به.
ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه، وعندما وصل نهض لاحترامه كل من كان هناك غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه ابن بابويه.
فلما جلس وأخرج حسابه ودواته، كما يكون التجار. أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه، فأخبره. فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه، وقال له: تسأل عنّي وأنا حاضر؟! فقال له ابن بابويه: أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك. فقال له: تخرق رقعتي، وأنا أشاهدك تخرقها، فقال له: فأنت الرجل إذن. ثم قال: خذ يا غلام برجله وقفاه، وسحبوه من الدار سحباً. ثم قال له: أتدّعي المعجزات عليك لعنة الله ... قال الراوي: فما رأيناه بعدها بقم.
وقد شاع أمر الحلاّج وفساد رأيه وعقيدته وكفره وإلحاده عند العدو والصديق، ولم يقتصر انحرافه على فئة معينة من الناس بل حاول تضليل أكبر فئة من الناس، ولذا حاربته السلطة آنذاك، وذلك للانحراف الواضح منه عن الإسلام.