تمهيدنا: النَّظرُ بعينٍ ثانية
تُقرأ بعض القضايا ذات الاهتمام الكبير والتي تؤثّر على تغيير مسار الإنسان من زاوية الواقع بعين واحدة.
فينظر إلى ما يقرأ من تراث يبني أفكاره وعقائده من زاوية ما يراه هو أنّه واقع معاش، أو ممارسات يتلبّس بها جيله الذي يعيش في وسطه، وفي الحقيقة أنّه لابدّ أنْ تبنى الأفكار قبل الممارسات على قراءة نابعة من أصول لا تؤثّر فيها مجريات الأحداث التي تُفرض على الإنسان لأسباب مختلفة وضغوط تخرج عن حيّز إرادته.
أي انّ الإنسان لابدّ أنْ يقرأ ما يؤثّر في بناء عقيدته وسلوكه بعين ثانية.
ولا نبالغ إذا قلنا أنّ هذه الحالة هي التي تجرف الإنسان وتجعله أسير أفكار لا تمتّ بصلة للعقيدة التي ينبغي أنْ يتحلّى بها، وينظّم على أساسها ممارسات تقوده إلى طريق النجاة.
ولنذكر نماذج متعدّدة شاهداً على القراءة بعين واحدة من تلك التي نعيشها في زماننا هذا، ولولا معايشتنا لها لما شكّلت جزءاً من أفكارنا، ولما كان هناك شعور وجداني يؤثّر فينا تجاهها.
ففي العقيدة المهدوية عندما تقرأ علامة من العلامات،أو مفردة ذات صلة بها ترى أنّ القارئ لها يقرؤها من واقعه الذي يعيشه، وتأثّر به، ويجسّدها على ذلك الواقع وكأنّها جزء منه، وكأنّها قيلت فيه، مع أنّ الحقيقة هي ليست كذلك، إذ أنّ نفس هذه المفردة قد عاشت مع أجيال مختلفة ووقائع متغيّرة، وكذلك حاول بعض من عاشت معهم في عصور سبقت أنْ يقرؤوها انطلاقاً من واقعهم المعاش، وينظرون إليها بعين ما يعيشونه، فتترجم بشكل خاطئ، لأنّه يُنظر إليها بعين واحدة، وكان ينبغي أنْ ينظر إليها بعين ثانية.
ونموذج آخر في قضية الإمام المهدي عليه السلام أيضاً ينظر إلى دلالة الأدلة من زاوية واحدة، فإذا أراد بعضٌ أنْ يستدل على حجيّته وإثبات ارتباطه المباشر بالإمام عليه السلام، استحدث أدلّة نَظر إليها بعين واحدة على أنّها تنفعه،ولو نظر إليها بعين أُخرى لوجد أنّ نفس ما استدل به على نفعه أنّه يضرّه ويدحض دعوته، فيقول إنّ الرؤى والمنامات اثبتت أنّي امثّل الإمام وعندي معه ارتباط مباشر، فإذا قيل له قد رؤي فيك أنّك عدوّه، وانّك شوّهت العقيدة به بحدّ ما شوّهها غيرك لقال: متى كانت المنامات حجّة لتثبت بها عدائي!!.
ويقول أيضاً: قد استخير عليّ واستخار من قبلي فجاءت تؤكّد ارتباطي وانّي ولد الحجّة، فإنْ قيل له قد استخير عليك فخار الله انّك مدّعٍ كذّاب، لقال: متى كانت الاستخارة دليلاً ليحتجّ بها، ولو نظر إليها بعين ثانية لما تمسك بها ابتداءً.
ونموذج ثالث ينظر إلى المرجعية وما يصدر منها من خلال واقعه وما يريد أنْ يلبّيه له، فيوجّه سهامه صوبها ويثار تحفّظه عليها،بأنّها لم لا تحرّك ساكناً في أحداث تشكّل مفارق طرق،ومزالق انحراف، ولو نظر بعين أُخرى إلى أنّ كل حركة لابدّ أنْ تنبعث من أُسس وأصول ومبتنيات شرّعها أهل البيت عليهم السلام أصولاً ليفرّع عليها الفقهاء أحكاماً، فتكون حركتهم منضبطة ولا تتأثّر بالواقع، وإنْ كانت تؤثر فيه وتضبطه وتنظّمه لما قال من قال ما قال، ولتأكّد له أنّ لهذا المذهب رعاية غيبية تحفظه في تلك المنعطفات ومفارق الطرق، فينبغي لنا لوزن الأحداث وضبط الأفكار وعدم انفلات أي منهما وانبعاث أفكار متأثّرة بواقع آنيّ،أنْ ننظر بعين ثانية.
رئيس التحرير