دولة الإمام عليه السلام دولة الإسلام
د. عبد الهادي الفضلي
إنّ دولة الإمام المنتظَر عليه السلام هي دولة الإسلام.. تلك الدولة التي تتجسد في واقعها الموضوعي تطبيقات التشريع الاسلامي كاملة عادلة, وفي مختلف مجالات الحياة: لدى الفرد, وفي الاسرة, وفي المجتمع, وفي الدولة..
والتي تمثّلت في حكم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم, حينما اقام الدولة الإسلامية الاولى في المدينة المنورة.
وهنا .. قد يتساءل : انّ الظروف _زماناً ومكاناً_ التي عاشتها دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وأحاطت بها, ربما تختلف وظروف دولة الإمام المنتظر عليه السلام, الا يستدعي هذا النوع من الاختلاف, شيئاً من الاختلاف بين الدولتين ؟...
وهو تساؤل ينطوي على كبير من الوجاهة, وبخاصة انّ التشريع الاسلامي المدوّن لم يحتو في الكثير من انظمته التفاصيل الوافية في بيان وسائل واساليب التطبيقات للأحكام التشريعية في مجال الدولة . . ولم يتضمّن في كثير من مواده _دستورية ونظامية_ الاّ الأحكام الكليّة والخطوط العامة.
وانّ الحياة قد قفزت في تطوراتها المدنية, قفزات هائلة وبعيدة, عادت معها تلكم الوسائل والاساليب للقرون السالفة غير ذات اهمية ونفع.
وهنا تساؤل وجيه عمّا تقدم.. غير انّنا متى ادركنا انّ للامام عليه السلام وظيفة التشريع كما هي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم, وليست المسألة لديه مسألة اجتهاد، قد يصيب الواقع وقد يخطئ... وانّما هي مسألة ادراك الأحكام الشرعية بواقعها.
ولعل إلى هذا تشير الاحاديث المتضمنة دعوة الإمام المنتظر عليه السلام الناس إلى الإسلام جديداً, وهديهم الى امر قد دُثر، فضلّ عنه الجمهور.
إنّنا حينما ندرك ذلك لا يبقى لدينا اي مجال لمثل هذا التساؤل...
على انّ الوسائل والاساليب خاصة, هي موضوعات, والموضوعات تختلف تبعاً لتطور الحضارة المدنية, فتغيّر احكامها وفقاً لتغيّرها.. وتغيّر الحكم تبعاً لتغير الموضوع شيء طبيعي في كل تشريع, إسلامي أو غير إسلامي.
نعم.. هناك فرق واحد بين دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودولة حفيده الإمام المنتظر عليه السلام يرجع إلى طبيعة الظروف أيضاً, ومساعدتها في إعداد الأجواء الكافية للتطبيق, وهو في اتساع نفوذ الدولة السياسية..
ففي دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتسع نفوذها السياسي اتساعاً يشمل كل العالم, وانْ كانت دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عالمية في أهم خصائصها, إلاّ أنّ الأجواء الاجتماعية والسياسية آنذاك لم تواتها ظروفهما لتحقيق عالميتها.
امّا في الدولة الإمام المنتظر عليه السلام, فالذي تقرؤه في الاحاديث التنبّؤية عن المعصومين عليه السلام: انّها سيشمل نفوذها السياسي العالم كله, تحقيقاً لوعد الله تعالى بعالمية الإسلام, امثال الآية الكريمة التالية:
(وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).
و(وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً).
(هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
ففي المروي عن الإمامين زين العابدين والباقر عليهما السلام: (انّ الاسلام قد يظهره الله على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام).
وفي المروي عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام: (لم يجئ تأويل هذه الآية (يعني قوله تعالى): (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ولو قد قام قائمنا سيرى من يدركه ما يكون تأويل هذه الآية, وليبلغنّ دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل).
وعن الإمام الصادق عليه السلام ايضاً : (إذا قام القائم المهدي عليه السلام لا تبقى أرض الاّ نودي فيها شهادة لا إله إلا الله وانّ محمداً رسول الله).
وليست عالمية النفوذ السياسي هي وحدها أبرز معالم دولة الإمام المنتظر عليه السلام، فهناك من خصائصها ومعالمها البارزة, غير هذا, مما نقرؤه في النصوص التنبّؤية الواردة عن المعصومين عليهم السلام. وربما كان أهمها مما يأتي:
- عالمية العقيدة الإسلامية (عقيدة التوحيد), وعمومها لكل فرد من البشر, وتطهير الارض من كل عقائد الشرك والكفر والضلال والنفاق . ومما يروى في هذا المجال:
- عن محمد بن مسلم: قال : قلت للباقر عليه السلام: ماتأويل قوله تعالى في الانفال (وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
قال عليه السلام (لم يجئ تأويل هذه الآية, فاذا جاء تأويلها يقتل المشركون,حتى يوحّدوا الله عزوجل وحتى لايكون شرك, وذلك في قيام قائمن عليه السلام).
- وما عن رفاعة بن موسى: قال سمعت جعفر الصادق عليه السلام يقول في قوله تعالى: (وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً).. قال عليه السلام: (إذا قام القائم المهدي عليه السلام لاتبقى أرض الاّ نودي فيها بشهادة: لا إله إلا الله وانّ محمداً رسول الله).
- ما عن عمران بن ميثم عن عبابة: انّه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).. أظهر بعد ذلك؟.. قالوا: نعم..
قال عليه السلام: كلاّ.. فو الذي نفسي بيده, حتى لاتبقى قرية الاّ وينادى فيها: ألاّ إله إلا الله, بكرة وعشياً.
- ومن النصوص المشيرة إليه ما يلي:
(إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل, وارتفع في أيامه الجور, وآمنت به السبل, وأخرجت الأرض بركاتها, وردّ كل حق إلى أهله, ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام, ويعترفوا بالإيمان... اما سمعت الله سبحانه وتعالى يقول: (وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)..
وحكم بين الناس بحكم داوود عليه السلام وحكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم..
فحينئذ تظهر الارض كنوزها, وتبدي بركاتها, ولايجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته, ولابره, لشمول الغنى جميع المؤمنين.
يقاتلون حتى يوحّد الله, ولايشرك به شيئاً, وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها احد, ويخرج الله من الارض نباتها, وينزل من السماء قطرها.
اذا قام قائمن عليه السلام قسّم بالسوية, وعدل في الرعية, فمن اطاعه فقد اطاع الله, ومن عصاه فقد عصى الله).
وما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث له:
(وتؤتون الحكمة في زمانه, حتى انّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
ومما تقوله النصوص في هذا المجال: وحدة سيرة الإمام المنتظر عليه السلام في دعوته, وسيرة جدّه الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته, بسبب تشابه ظروف الدعوتين الاجتماعية, في طريق التمهيد لتأسيس الدولة... ومنها:
- عن عبد الله بن عطاء المكي عن شيخ من الفقهاء (يعني أبا عبد الله الصادق عليه السلام) قال: سألته عن سيرة المهدي: كيف سيرته؟... فقال: (يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهدم ما كان قبله, كما هدم رسول الله أمر الجاهلية, ويستأنف الإسلام جديداً).
- عن عبد الله بن عطاء: قال: سألت ابا جعفر الباقر عليه السلام: إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس؟.. فقال عليه السلام: (يهدم ماقبله كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستأنف الإسلام جديداً).
- وعن أبي بصير: قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الأمر شبه من أربعة أنبياء: شبه من موسى عليه السلام, وشبه من عيسى عليه السلام, وشبه من يوسف عليه السلام, وشبه من محمد صلى الله عليه وآله وسلم... فقلت ماشبه موسى؟.. قال: خائف, يترقب.. قلت: وما شبه عيسى.. فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى.. قلت: فما شبه يوسف؟. قال: السجن والغيبة.. قلت: وما شبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟.. قال عليه السلام اذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا انّه يبين آثار محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وفي حديث عبد الله بن عطاء مع الإمام الباقر عليه السلام: قلت بما يسير؟.. فقال: بما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدر ما قبله واستقبل).