تمهيدنا: أشد ما يواجهه الإمام عليه السلام
عندما يقرأ الإنسان فكراً من خزين الكتب, ويتأمّل فيه, يتبادر إلى ذهنه عدّة تساؤلات منها أنّه كيف يمكن لجماعة بعد أنْ وضح الحق عندها أنْ تخرج على صاحب الحقِّ فتقاتله وتنازعه أمره، فإذا سئلت عن حجية فعلها ودليل تصرفها قالت: إنّما قصدنا بذلك وجه الله تعالى, فتلتصق بالذهن عدة تساؤلات أولها أنّه هل يعقل أنْ يكون في الناس أشخاص مثل هؤلاء, وأنْ تصدر تصرفات كهذه؟.
فتبرر النفس الإنسانية بأنّ ذاك زمان كثُر جهله واتسعت دائرة خرافته وقل أهل الحقِّ فيه فحصل ما حصل لهذه العوامل وغيرها.
أمّا في زماننا فقد يقال انّ ذلك يندر أو يستحيل.
ولكن اليوم ونحن نعيش _والحقيقة لابدّ أنْ تقال_ في أحلك أزمان الفتنة حيث يجسّد الواقع ذلك الفكر الذي بدّد الاستفهامات والاستغراب, فالقوم هم القوم والفكر هو الفكر ولا يختلف الحال بين زماننا وزمانهم, ومتى ما أُتيحت الفرصة لهم ستجدهم يجسدون ذلك الفكر وعلى أي بقعة من الأرض انّه ديدن عام وحالة سارية ملازمة للإنسان.
إنّ كلاّ منا قد قرأ أو سمع بأنّ الإمام المهدي عليه السلام عندما يخرج فأنّ أشد ما سيواجههُ هو الفكر المنحرف المتؤول عليه كتاب الله سبحانه وتعالى, فهم _أي أصحاب هذا الفكر_ بظاهر حالهم ينسبون أنفسهم لإسلام إنّما يخرج الإمام لتصحيحه وتقويم مساره, وهم في واقعهم أشد ما يكونون من أُناس رانت على قلوبهم طبقات الفكر المنحرف والشبهات المتراكمة فانتجت فكراً ظلمانياً منغلقاً أدّى بهم إلى أنْ يتؤولوا كتاب الله تعالى فيخرجوا أهل الإيمان كفّاراً، ويجعلوا من الكفّار أنصاراً.
إنّنا نستغرب في بعض الأحيان فنقول إنّ الإمام المصلح عندما يخرج سيواجه جيوشاً وقدرة وقوّة كبيرة وفتّاكة, أنّه سيواجه كل هذه الإمكانات التي أعدّت لتدميره وإفشال حركته والقضاء عليه مع ذلك كلّه لم ينعكس إلينا من خلال لسان الغيب وناطق السماء أنْ هذا من شدائد ما سيواجهه أو من صعاب ما سيمر عليه، إذ الذي انعكس أنّ أشدّ ما سيواجهه عليه السلام أولئك المتؤولون الذين يحسبون أنّهم عن الإسلام يدافعون ولأجل إعلاء كلمته لدمائهم يهرقون فيقاتلون, الإمام لأجل الدفاع عن أحكام الله وتثبيت دينه, يقاتلون الإمام بالقرآن فجاءت الروايات لتعبّر بأنّ هذا أشدّ ما سيواجهه عليه السلام في حركته الإصلاحية, والتي ستكون في آخر زمان الأُمم حيث رقي العقل ووضوح المفاهيم وعلو النداء لمن يرفع راية الإنسانية والحرية والاحترام ويدافع عن حرمة الدم وصيانة العرض وكرامة الحقوق.
مفاهيم قد يقال أنّها وقع فيها التشكيك في أزمان غبرت ومضت, لكنّها الآن واضحة بل وفي زمان ظهوره ستكون أشدّ وضوحاً.
فإنّ أشد ما يتقزز الانسان منه ويتنفّر اليوم هو من أُناس لا يراعون لهذه المفاهيم حرمة ولا يستنكرون من مقترفها فعلاً, مع ذلك نجد أنْ هناك فئة رفعت راية الإسلام ونادت أنّها تحكم بالقرآن وترجع الدّين إلى سابق عهده, لكنّها في واقعها أشدّ من أشدّ أعداء الدين فتكاً بالمسلمين, وأكثر منهم إيغالاً بالدماء وهتكاً للمقدسات وفتكاً بالأعراض ونهباً للأموال.
إنّهم أمثال تضرب لنا لنزداد بصيرة في ديننا ونعرف الحال إبان ظهور إمام زماننا من أنّ هناك فئات ستخرج عليه بعقائد وأفكار دعشية تريد أنْ تتسمى بالإسلام فتسحقه, فهم أشدّ ما سيواجهه عليه السلام.
أنّه فكر صدر وسيصدر من مجموعة تسمّوا بالإسلام وانتسبوا إليه زورا, لا يحملون منه إلاّ رونق عبارات وذلاقة لسان.
نعم إنّه حقّ لنا إنْ نقول أنّ أشدّ ما سيواجه الإمام عليه السلام هو (فدعش), فإن الفكر الداعشي ليس فكراً إسلامياً, فلابدّ أنْ تسلب منهم الألف لأنّ عائديتها منهم براء, وإنْ انتسبوا إليها.
رئيس التحرير