نافذة الدعاء المهدوي
(اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي)
من الأدعية المباركة الدعاء المعروف الذي يقرأ في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام والذي يبدأ بهذه العبارة الاستهلالية: (اللهم عرفني نفسك).
ومن الممكن ان يتساءل قارئ الدعاء عن السر الكامن وراء استهلال الدعاء المرتبط بشخصية صاحب العصر بالإشارة إلى أن يعرفنا الله تعالى نفسه؟ من الطبيعي ان معرفة الله تعالى هي جوهر المعرفة التي نتطلع إلى تحقيقها نسبياً, حيث ان معرفته مطلقاً خاصة به تعالى, لكن السؤال هو عن صلة المعرفة المشار إليها بشخصية صاحب العصر؟
ومن الطبيعي أيضاً ان الدعاء لم يشر مباشرة إلى الصلة بين الله تعالى وبين الإمام المنتظر عليه السلام, بل جعل الرسولN:(ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك) هو الهم الأول لقارئ الدعاء أي ان معرفة الله تعالى تقتادنا إلى معرفة رسوله.
فلندع الإجابة عن السؤال المتقدم ونتجه إلى العبارة الاستهلالية وحدها وهي (اللهم عرفني نفسك)... فنتساءل ما المقصود منها؟
من الواضح ان الله تعالى فطر البشرية على التوحيد بصريح القرآن كما فطرهم على معرفة الخير والشر أيضاً بصريح القرآن حيث ان الله تعالى الهم النفس فجورها وتقواها أي الخير والشر...
ان المعرفة الفطرية والإيمان كلاهما بطبيعة الحال يتم حيناً بنحوه الإجمالي وحيناً بنحوه التفصيلي.
فالتوحيد الذي يشير إليه القرآن هو ان الله تعالى فطرنا عليه يظل معرفة إجمالية ثم يأتي دور الرسل عليهم السلام لتوضيح مبادئ التوحيد مفصلاً والأمر نفسه بالنسبة إلى مبادئ الإيمان حيث ان النص القرآني الكريم أوضح بجلاء ان الله تعالى حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا الآن ان التفصيلات المرتبطة بمبادئ هذا الإيمان ودرجاته ومستوياته.... يظل مرتبطاً بما توصله الرسل عليهم السلام إلينا من المعرفة.
ان الله تعالى بعدما فطرنا على التوحيد وحبب إلينا الإيمان وألهمنا الفجور والتقوى هيأنا لان نستقبل المعرفة بنمطيها الفطري المجمل ثم الواعي والمفصل, أما الفطري والمجمل فهو ما نحياه, وأما المفصل فهي المبادئ التي أوصلها الله تعالى إلينا بواسطة الرسل عليهم السلام.
ان معرفتنا تلك تساعدنا في التوصل إلى معرفة الله تعالى, وبكلمة أكثر وضوحاً ما دام الله تعالى هو العلام المطلق, أي المالك للمعرفة غير المحدودة, وبما إننا لا يمكن ان نصل إلى المعرفة حتى في نطاقها النسبي إلى الدرجة المطلوبة عبادياً, لذلك فان الله تعالى هو الذي يتفرد بتقديم المعرفة المتصلة بذلك, أي هو تعالى يعرفنا نفسه حيث لا احد سواه يمتلك معرفة نفسه العلية.
إذن: لابد إذا أردنا ان نتعرف على عظمة الله تعالى,فلابد أن نعرف ان الأمر منحصرٌ في تعريفه تعالى هو لنفسه, حتى نتبين ذلك من خلال التعريف المذكور.
الان لنكتفي بهذا القدر من الشرح مع امل التواصل معكم في حلقة اخرى من حلقات هذه النافذة المهدوية المباركة.
الدكتور محمود البستاني