تمهيدنا:النيابة أمثل بديل
من يدقّق النظر يجد أنّ كثيراً من القضايا والعقائد تمر بحالتين، الحالة الطبيعية ولها إطار محدد وقواعد خاصة وقوانين تضبط هذه القضية أو تلك العقيدة، ويؤسس أيضاً إضافة إلى الحالة الطبيعية، حالة الاستثناء فيما اذا تعرّضت تلك القضية أو العقيدة إلى موجبات تؤدّي إلى خروج من الحالة الطبيعية، فعلى سبيل المثال التوحيد، فإنّه من أمهات العقيدة، ويجب على الإنسان عندما يسأل عن عقيدته في التوحيد أنْ يبيّنه للسائل بوضوح ويبين أدلّة ذلك ومناشئه، هذا في الظرف الطبيعي، أمّا إذا حصل ظرف استثنائي كأنْ خاف الموحّد على نفسه من السائل أو ما يوجب هلاكه والقضاء عليه فيما لو أجاب عن عقيدته بوضوح، فإنّ العقل فضلاً عن النقل قد أجاز وخوّل صاحب هذه العقيدة بأنْ لا يخبر بوضوح عن عقيدته، بل أنْ يخبر باعتقادته بعقيدة أُخرى لا يؤمن بها لأجل الحفاظ على نفسه.
وكذلك الأمر في القضايا كقضية الصدق مثلاً التي ينبغي للإنسان أنْ يلتزمها ويتمسّك بها بكل مناحي حياته وجوانبها، ولكنّه في بعض الأحيان يجد أنّ الصدق يقود إلى إفساد حال الناس أو إهلاك بعضهم، أو الوقيعة بينهم أو إيقاع الضرر على بعض منهم فيلتجئ إلى الكذب رغم كونه يمقت الكذب وتشمئزّ منه نفسه، إلاّ انّه يمارسه علاجاً بديلاً للتخلص من بعض آفات الصدق الذي هو قضية ثابتة وممدوحة من قبل جميع الناس.
فليس دائماً تسير القضايا أو العقائد وفق ما هو مرسوم لها، إذ يؤثّر عليها كثير من العوامل التي توجب أنْ يلجأ الممارس لها إلى التلبّس بحالة استثنائية لفترة معينة طالت أو قصرت.
وعوامل هذا الخط الذي يوجب انحناءً في الفكر أو العقيدة بل والممارسة كثيرة جداً، والتي قد تكون فردية وقد تكون اجتماعية، وقد تكون بسبب ممارسات لأجيال كثيرة، فيعجز الإنسان في بعض الأحيان عن أنْ يخرج من حالة الاستثناء إلى الحالة الطبيعية، ليمارس فكره أو عقيدته في أجواء آمنة.
وقد مرّت العقيدة المهدوية نتيجة لعوامل كثيرة بحالات استثنائية كان على رأسها تغييب الامام المهدي عليه السلام.
ولأنّنا نؤمن أنْ نظام المصالح والمفاسد لأجل الإنسان قد جعله الله تعالى ناموساً عاماً، فإنّ الحكمة بسبب هذه العوامل المختلفة اقتضت تغييب الإمام عليه السلام لطفاً بالعباد لمصلحة اقتضاها التغييب، وقد أخبرت السماء عن هذه الحالة وأن الأُمّة ستمر بها، لكن الظروف القاهرة منعت المؤمنين من تدارك هذه العوامل فوقعوا قهراً في حالة الغيبة حتى صارت حالة الاستثناء ضرورة من ضرورات مذهب أهل البيت عليهم السلام.
ولأنّ الاستثناء صار ضرورة فقد اقتضى نظام المصالح الإلهية أنْ يكون هو امثل بديل، يدير الإمام عليه السلام من خلاله شؤون الأُمّة، إذ لو كان هناك نظام امثل من نظام النيابة فإنّ قانون المصالح يحتّم حينئذ أنْ يكون هو البديل، لا نظام النيابة الأمثل.
رئيس التحرير