شرح دعاء الندبة - الحلقة الثامنة والثلاثون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية: (أَيْنَ حاصِدُ فُرُوعِ الْغَيِّ وَالشِّقاقِ (النِفاقِ)).
يشير المقطع الآنف الذكر إلى أنّ هناك ارتباطا وثيقا بين قديم الظلم والغيِّ والشقاق -النفاق- وهذا المقطع الشريف يحدثنا أنّ هناك ظلماً غرس وزرع في نفوس البعض، وانّه أثمر في نفوس أشخاص آخرين وتفرّع بتوالد هذه البذرات النفاقية على مر الزمان، فأمعن في نفوسهم وتآزرت عليه جوانحهم حتى صار هذا النمو فروعاً في ذراريهم.
فالأوائل من أهل الظلم والغيِّ كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون نفاقاً منهم، فيقولون نحن مع أهل البيت وولاؤنا لهم، ونحيا ونموت على ما هم عليه، ولا ضلال في عقيدتنا ولا غيَّ في ديننا، ونحن على الرشد والاستقامة، ولكن واقعهم يقول انهم جذور الغواية، وانهم الذين خرجت من نفوسهم فروع النفاق والظلم، وبعد أنْ تكاملت هذه الحال في الأقدمين ممن حملوا الظلم لأهل البيت عليهم السلام وبذروها في النفس الإسلامي والمجتمع الإيماني، وأصبحت تتفرع غواية وشقاقاً إلى يومنا هذا، فإنّه لا يمكن أنْ تعالج هذه الفروع إلا باجتثاث الأصول، ولا يمكن أنْ تهذَّب أو تشذَّب، بل لابدّ لها من الحصاد والقطع والسحق والتفتيت، فكما أنّ أهل الخير عند الظهور سيحصدون فعالهم التي أنبتوها وسارت عليها فروع المؤمنين إيماناً واعتقاداً وسلوكاً بأنْ يكونوا مع الإمام عليه السلام ويدافعوا عن عقيدتهم الحقّة ويضحوا من أجلها فينالوا ثمرات ذلك، مقابل أهل الغيِّ والشقاق والنفاق الذين توارثوا ما زرعه في أرض عقيدتهم من تابعوهم من سلفهم، وساروا على نهجهم، فإنَّ هؤلاء لم يرضوا عن أهل الإيمان ولم يميلوا إليهم وسيبقى العداء بينهم قائماً، فإنهم تعادوا في الله، إذ اتبع هؤلاء أهل البيت عليهم السلام واتبع أولئك الشيطان فأضلهم وأغواهم وزرع في نفوسهم ما أثمرت الحرب والشقاق والادّعاء بما ليس لهم، والموت عليه، إنّه سيأتي يوم الحصاد وسيبين حينئذ لمن زرع الخير ماذا سيحصد، ولمن زرع النفاق ماذا سيكسب، وأي شيء سيجني.
وهذا لا يعني الحكم على الناس بمصائر غيرهم، بل انّنا نؤمن ونعتقد أنّ العقيدة يتخذها الإنسان دون أي إلجاء أو ضغط، ويتفرع عليها سلوكه دون أي جبر، وانّ الحقائق بيّنة في نفوس الناس إلا أن يدحضها بعضهم، وإنْ كانوا بها وبحقّانيتها موقنين على وزان قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
فهذا المقطع الشريف يتحدث عن زمان الحصاد في دولة الإمام المهدي عليه السلام وإنّ في هذا اليوم (لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)، فانَّ البناء الفكري والعقائدي الذي يكون سلوكنا رهيناً به ليس وليد اللحظة والساعة، إنما هو وليد جهود مضنية، وساعات طويلة وأشهر وسنين من الجد والجهد والمراقبة والاستقامة والتفكير السوي والاتباع الصحيح، كما الزارع، فإنّه يأتي في أوقات الحصاد لا ليحصد ما يزرع، وإنما سينظر إلى من زرعوا كيف يحصدون، بعد أنْ بذلوا جهوداً كبيرة وإنّ نصيب هذا الناظر إليهم المتحسر على حاله أنْ يرى ما هم فيه من نعيم الراحة بعد زمن شقائهم وعنائهم.
فالمقطع يريد أنْ يقرع في نفوسنا جرساً للإنذار بانّ يوم الحصاد ليس بيومه كفيل وإنما تكفَّلته أيام وأشهر وسنين طوال يجني ثمرتها المجدُّون، ويخيب عند ساعتها المنافقون الذين كانوا يظهرون انهم على الولاء والاتباع، وفي حقيقتهم انّهم يزرعون الغيَّ والشقاق.
إنّه قد حان وقت القطاف والحصاد المهدوي.