خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام على الوهابيين
الدكتور عصام العماد
لقد ادركت من خلال الطويلة مع الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام بأنّ اتباع النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ما لم يتّبعوا معالم الطريق النبوي الصحيح في عرض حقيقة ذلك الإمام العظيم فلا يمكنهم التحرّر من نموذجهم عن ذلك الإمام العظيم.. ومن هنا لابدّ لهم إنْ كانوا من الباحثين عن الحق والحقيقة من معرفة ثمان خصائص هامة مرتبطة بالبحث عن منهج عرض الحقيقة وهي:
الاولى: إنّ الطريقة المثلى في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام، ينبغي أنْ تكون من خلال عرض هذه الحقيقة عبر مرحلتين رئيستين، لابدّ من الالتزام بترتيب هاتين المرحلتين، والاّ فلن يتمّ معالجة النموذج الوهابي في كيفية عرضه لهذه الحقيقة، ولن يتسنى للوهابيين انْ يدركوا هذه الحقيقة.
كما يجب انْ نبيّن للوهابيين انّ عدم ملاحظة هاتين المرحلتين، وعدم الالتزام بترتيبها هو الذي جعل منهجهم في دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام ينحرف عن المنهج النبوي في دراستها.
وبسبب خروج الوهابية عن المنهج النبوي في دراستها للقضية المهدوية؛ رسمت الوهابية صورة لغيبة الإمام المهدي عليه السلام لا صلة بينها وبين الصورة التي رسمها المنهج النبوي عنها.
والمرحلتان هما:
المرحلة الأولى: (مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام).
إذ يجب أنْ ندرس في هذه المرحلة أسباب وعوامل خطأ الوهابية في مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
وهذه الأسباب هي:
السبب الأول: غفلة الوهابية عن العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي عليه السلام وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري عليه السلام كما وردت في السنّة النبوية.
السبب الثاني: عدم معرفة الوهابية بحقيقة الإمام المهدي عليه السلام كما وردت في السنّة النبويّة.
السبب الثالث: جهل اتباع الوهابية بحقيقة غيبة الإمام المهدي كما وردت في السنّة النبويّة.
ونريد توضيح هذه الخاصيّة الأولى ببيان انّ منهجنا يرى انّه لابدّ من عرض حقيقة الإمام المهدي عليه السلام على الوهابيين في بداية الأمر عبر هذه المرحلة الاولى، ولا يصح أنْ ننتقل إلى المرحلة الثانية (مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام) الاّ بعد الانتهاء من البحث عن المرحلة الأولى _أي مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام_ والتي نعالج فيها مشكلة الخلط عند اتباع النموذج الوهابي.. بين حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام عند الاثني عشرية وبين حقيقة غيبته عليه السلام عند فرق الغلاة، حتى نتجنّب الخطأ في فهم حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
ونحن عندما وضعنا المرحلة الأولى في الطبقة الاولى من هذا المنهج لاجل تبيين وتوضيح تأثيرها الخطير والكبير على المرحلة الثانية.
وهكذا؛ وضعت هذا المنهج بما يتناسب مع العقل الوهابي. ومن خلال تجربتي السابقة فإنّني لم استوعب وأدرك (حقيقة غيبة الإمام المهدي عليه السلام) الاّ بعد انْ استطعت تجاوز مشكلة الخلط بين حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام عند الاثني عشرية وحقيقة غيبته عند الغلاة (المرحلة الاولى)، ثم بعد ذلك استطعت ان افهم مرحلة المعرفة التحليلية العميقة للحقائق الخمس حول غيبة الامام المهدي عليه السلام.
المرحلة الثانية: (مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام).
وفي هذه المرحلة تناولنا خمس حقائق هامّة وهي:
الحقيقة الاولى: حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام في التوراة والانجيل.
والحقيقة الثانية: حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام في القران والسنة.
والحقيقة الثالثة: حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام في كلمات اهل السنة.
والحقيقة الرابعة: حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام في كلمات الوهابية.
والحقيقة الخامسة: حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام في كلمات علماء الاثني عشرية.
هذه هي مراحل دراسة حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام التي ينبغي بل يجب الالتزام بالترتيب المذكور عند طرحها للوهابيين.
والثانية: إنّه لا يمكن أنْ ندرك حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام عند الاثني عشرية الاّ اذا ادركنا حقائق الاثني عشرية، ومن ثم يجب معرفة حقائق الاثني عشرية قبل البحث عن حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام.
والثالثة: انّ مشكلة اتباع الجماعة الوهابية انهم لم يميزوا بين حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام التي اثبتتها ورسمتها النصوص النبوية في كتب اهل السنة وكتب الوهابية وكتب الاثني عشرية، وبين حقيقة الغيبة الغريبة التي تفردوا باثباتها ورسمها في نموذجهم الغريب والشاذ، مع ان الاولى موجودة في كتب كل المسلمين من السنة والوهابية والاثني عشرية، اما الثانية فقد تفرد باثباتها الجماعة الوهابية في نموذجهم، في كتبهم المتخصصة في جمع الاحاديث النبوية؛ كما انهم خلطوا بين حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية وبين حقيقة الغيبة عند الفرق المغالية، وقد جرّهم هذا الخلط الى اتهام الاثني عشرية بسبب هذه الحقيقة بالانحراف والضلال والغلو، وهذا ناتج بسبب أنهم لم يميّزوا يبن (حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية) وبين (حقيقة الغيبة عند فرق الغلاة)، ومن ثم نسبوا بعض سمات وصفات حقيقة الغيبة عند فرق الغلاة الى حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية. ومشكلتهم الكبرى ترجع الى (مشكلة الخلط بين حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية وبين حقيقة الغيبة عند فرق الغلاة).
والرابعة: لابد ان يدرك اخواني الوهابيون عند بحثهم حول حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام بان هنالك الترابط المحكم بين كل طبقات المذهب الاثني عشري واجزائه، من قمته الى قاعدته، وفي هذا دلالة صريحة على انه يجب ان ينظر الى حقائق الاثني عشرية كوحدة متماسكة مترابطة متحدة، وفي اطار منظومة مشتركة، تدب فيها روح واحدة، ومن ثم فهي (الحقائق) تشكل مجموعة واحدة.
وكل حقيقة من حقائق الاثني عشرية لابد ان تنظر في اطار هذه المجموعة المترابطة المتصلة، وحين ننظر الى حقيقة واحدة من حقائق الاثني عشرية، بالنظرة الجزئية المفردة المعزولة عن بقية الحقائق؛ فإنّنا لايمكن ان ندرك عظمة روح هذه الحقيقة التي نظرنا اليها بمفردها، ولن ندرك ما فيها من صفات الجمال والكمال. كما ان النظرة التجزيئية الفردية لحقيقة من حقائق الاثني عشرية، دون النظر الى بقية حقائقها؛ كانت من الاسباب الرئيسة التي جعلت اتباع المنهج الوهابي ينزلقون في اخطاء كبيرة في الكثير من احكامهم على حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام.
والخامسة: لابدّ انْ يدرك اخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام بان ينبغي لهم ملاحظة ان هنالك تسلسلاً ظاهراً وصريحاً بين حقائق المذهب الاثني عشري، وهو تعبير حاسم عن ان كل حقيقة من الحقائق المرتبطة بالمذهب الاثني عشري تكون مقدمة للحقيقة التي بعدها، وفي نفس الوقت تكون نتيجة للحقيقة التي قبلها، والايمان بالحقيقة الاولى يقتضي الايمان بالحقيقة الثانية.
والسادسة: لابدّ انْ يدرك اخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام بانّ هنالك حقيقة هامة تقول: بان هنالك تشابكاً وانسجاماً بين المرحلتين والحقائق، بحيث ان الخطأ في فهم المرحلة الاولى _التي في هذا المنهج_ يقتضي سريان الخطأ الى المرحلة الثانية، والاصابة في فهم أول مرحلة يقتضي الاصابة في فهم المرحلة الثانية.
والسابعة: لابدّ انْ يدرك اخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام بان هنالك حقيقة هامة تقول: بأنهم لا يمكن لهم ان يدركوا حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام عند الاثني عشرية الا اذا تأملوا بعمق في النصوص النبوية حول هذه الحقيقة في كتب الحديث عند أهل السنة وفي كتب الحديث عند الوهابية وابتعدوا عن النموذج الوهابي التحليلي في شرح وتفسير هذه النصوص.
والثامنة: هي انني ادركت ان لدينا رؤية شنيعة وقبيحة وسلبية لفكرة الغيبة _بغض النظر عن الشخصية الغائبة عن الانظار_ لاننا في العقيدة الوهابية لا يوجد لهذه الفكرة اي امتداد.. ففكرة الغيبة غريبة وبعيدة عن عقولنا وقلوبنا.. بل نعتبر الغيبة بذاتها قضية منحرفة.. ومن ثم لا تستطيع عقولنا أن تتمثل وتتصور مفهوم الغيبة.. لاجل ذلك انصح اخواني الوهابيين _من خلال تجربتي الطويلة مع فكرة الغيبة_.. اذا ارادوا معرفة حقيقة غيبة الامام المهدي عليه السلام كما رسمت في المنهج النبوي.. أنْ يصبروا ويتحملوا ويرابطوا عند سماع فكرة الغيبة حتى ينتهوا من الاطلاع الكامل عن المنهج النبوي في عرض فكرة غيبة الامام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام..
ان النموذج الوهابي في عرض غيبة الامام محمد بن الحسن العسكري جعلنا لا نطيق حتى سماع كلمة الغيبة.. وهذا الامر قادنا _من حيث لا نعلم_ انْ نحارب المهدي الواقعي والنبوي وان نهرب منه لنصنع لنا _من حيث لا نعلم_ مهدياً وهمياً لا وجود له الا في نموذجنا الخاص وفي خيالنا الشاذ.. وقد لمست هذه الحقيقة حينما كنت وهابياً، حيث قادتني كراهتي لفكرة الغيبة الى كراهية ذكر اسم الامام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام؛ لان هنالك تلازماً وثيقاً بين كراهية فكرة الغيبة وبين كراهية الامام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.. بل هناك ما هو أكثر من التلازم.. هناك الانبثاق الذاتي.