طول عمر الإمام المهدي عليه السلام
محمد حسن يوسفي
ذكر الحافظ الكنجي في الدلالة على كون المهدي عليه السلام حياً باقياً مذ غيبته إلى الآن قال:
ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر عليهما السلام من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجال وإبليس الملعونين أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، وقد اتفقوا عليه ثم انكروا جواز بقاء المهدي عليه السلام، وها انا ابيّن بقاء كل واحد منهم، فلا يسع بعد هذا لعاقل انكار جواز بقاء المهدي عليه السلام حياً.
وانما انكروا بقاءه من وجهين: احدهما طول الزمان، والثاني انه في سرداب من غير أنْ يقوم احد بطعامه وشرابه، وهذا يمتنع عادة.
امّا عيسى عليه السلام فالدليل على بقائه قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به أحد مذ نزول هذه الآية الى يومنا هذا، ولابد أنْ يكون ذلك في آخر الزمان.
وامّا السنّة، فما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال: (فينزل عيسى عليه السلام بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة مَلَكَين).
وأيضاً ما في البخاري عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
واما الخضر والياس عليهما السلام فقد قال ابن جرير الطبري: (الخضر والياس عليهما السلام باقيان يسيران في الارض).
ثم اورد الحافظ الكنجي احاديث عن بقاء الدجال منذ زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحتى يومنا هذا وقد تركناها لطولها.
واما الدليل على بقاء ابليس اللعين فآي الكتاب، نحو قوله تعالى: (قالَ أَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ).
وامّا بقاء المهدي عليه السلام فقد جاء في الكتاب والسنّة.
امّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال: هو المهدي من عترة فاطمة عليها السلام.
واما من قال انه عيسى عليه السلام فلا تنافي بين القولين، اذ هو مساعد للإمام عليه السلام.
وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله عزوجل: (وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال: هو المهدي عليه السلام يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة واماراتها.
واما السنّة فالكثرة الكاثرة من الأحاديث الصريحة بذلك.
وامّا الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص والمعنى.
امّا النص فما جاء من الاخبار على انه لابد من وجود الثلاثة في آخر الزمان، وانه ليس فيهم متبوع غير المهدي عليه السلام بدليل انه إمام الامّة في آخر الزمان.
وانّ عيسى عليه السلام يصلي خلفه كما ورد في الصحاح، ويصدقه في دعواه، والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت انه حي موجود.
وامّا المعنى في بقائهم فلا يخلو من احد قسمين: امّا انْ يكون بقاؤهم في مقدور الله او لا يكون، ومستحيل أنْ يخرج عن مقدور الله، لأنّ من بدأ الخلق من غير شيء وأفناه، ثم يعيده بعد الفناء، لابد انْ يكون البقاء في مقدوره، واذا ثبت أنّ البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو أيضاً من قسمين، امّا انْ يكون راجعاً الى اختيار الله أو الى اختيار الامّة، ولا يجوز أنْ يكون الى اختيار الامة، لانه لو صح ذلك منهم لصح من احدنا أنْ يختار البقاء لنفسه ولولده، وذلك غير حاصل لنا، غير داخل تحت مقدورنا، فلابد من أنْ يكون راجعاً الى اختيار الله سبحانه.
ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين ايضاً: امّا أنْ يكون لسبب او لا يكون لسبب، فإنْ كان لغير سبب كان خارجاً عن وجه الحكمة، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله، فلابد أنْ يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى.
وامّا الدجال اللعين: فلم يحدث حدثاً مذ عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خارج فيكم الاعور الدجال، وإنّ معه جبال من خبز، تسير معه، الى غير ذلك من آياته، فلابد أنْ يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة.
وامّا الإمام المهدي عليه السلام فمذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما تقدمت الأخبار في ذلك، فلابد أنْ يكون ذلك مشروطاً بآخر الزمان.
فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الاجل المعلوم، فعلى هذا اتفقت بقاء الثلاثة لصحة أمر معلوم في وقت معلوم، وهما صالحان: نبي وإمام، وطالح عدو الله وهو الدجال.
وقد جاءت الأخبار في الصحاح في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى عليه السلام، فما المانع من بقاء المهدي عليه السلام حياً؟ مع كون بقائه باختيار الله تعالى وداخل تحت مقدوره سبحانه، وهو آية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فعلى هذا هو اولى بالبقاء من الاثنين الآخرين، لانه اذا بقى المهدي عليه السلام كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فيكون بقاؤه مصلحة للمكلّفين ولطفاً لهم في بقائه من عند رب العالمين.
والدجال اذا بقي، فبقاؤه مفسدة للعالمين، لما نعلم من ادعائه الربوبية، وفتكه بالامّة، ولكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم والعاصي، والمحسن من المسيء والمصلح من المفسد، وهذه هي الحكمة في بقاء الدجال.
وامّا عيسى عليه السلام فهو سبب إيمان أهل الكتاب للآية، والتصديق بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء، وخاتم النبيين، ورسول رب العالمين. ويكون بياناً لدعوى الإمام عند أهل الايمان ومصدقاً لما دعا اليه عند اهل الطغيان بدليل صلاته خلفه ونصرته إيّاه ودعائه الى الملة المحمدية التي هو إمام فيها، فصار بقاء المهدي عليه السلام أصلاً، وبقاء الاثنين فرعاً على بقائه، فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما؟!.
ولو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب، وذلك مستحيل في العقول.
وانّما قلنا: إنّ بقاء المهدي عليه السلام أصل لبقاء الاثنين لانه لا يصح وجود عيسى عليه السلام بانفراده غير ناصر لملة الاسلام وغيرمصدق للإمام، لانه لو صح أن يكون تبعاً فصار متبوعاً واراد أن يكون فرعاً فصار اصلاً.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نبي بعدي)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الحلال ما أحل الله على لساني الى يوم القيامة، والحرام ما حرم الله على لساني الى يوم القيامة)، فلابد من أنْ يكون عوناً وناصراً ومصدّقاً، واذا لم يجد من يكون له عوناً ومصدّقاً لدعواه لم يكن لوجوده تأثير، فثبت أن وجود المهدي عليه السلام اصل لوجوده.
وكذلك الدجال اللعين لا يصح وجوده في آخر الزمان، ولا يكون للامة إماماً يرجعون إليه، ووزيراً يعوّلون عليه، لانه لو كان الامر كذلك لم يزل الاسلام مقهوراً ودعوته باطلاً، فصار وجود الامام اصلاً لوجوده على ما قلنا.
واما الجواب عن انكارهم بقاءه في سرداب من غير احد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان:
احدهما: بقاء عيسى عليه السلام في السماء من غير احد يقوم بطعامه وشرابه، وهو بشر مثل المهدي عليه السلام، فكما جاز بقاؤه في السماء والحالة هذه فكذلك المهدي عليه السلام في السرداب.
فإنْ قلت: إنّ عيسى عليه السلام يغذيه رب السماء من خزائن غيبه، قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي عليه السلام اليه في غذائه.
فإنْ قلت: إنّ عيسى عليه السلام خرج عن طبيعته البشرية، قلت: هذه دعوى باطلة، لانّه تعالى قال لأشرف أنبيائه: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
ذكر العلامة السبط ابن الجوزي قال: وعامة الإمامية على أنّ الخَلَف الحجة عليه السلام موجود وانه حي يرزق ويحتجون على حياته بأدلة منها أنّ جماعة طالت أعمارهم كالخضر والياس عليهما السلام، وأنّ ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة.
وامّا عن الأنبياء فخلق كثير بلغوا الألف وزادوا عليها كآدم ونوح وشيث عليهم السلام ونحوهم.
أقول: ولا تنس إبليس اللعين، فإنّه حي يرزق منذ آلاف السنين وإلى يوم الوقت المعلوم، وهو عدو الله تعالى.