حياة المجتمع في عصر الإمام المهدي عليه السلام
الشيخ محمد علي الدكسن
يعتبر عصر الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره وقيامه من أفضل عصور الكرة الأرضية منذ خلق الله الأرض,أو منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام ولذل يسمى عصره عليه السلام عصر النور وعصر العلم, عكس العصور التي نعيشها اليوم فهي عصور ظلمات وجهل وفقر وانحراف وفجائع و جور وضلالة... الخ.
يمكن لنا أنْ ندركُ شيئاً من ازدهار ذلك العصر,وجمال الحياة في ذلك الزمان, وحلاوة العيش في تلك السنوات, بإلقاء نظرة خاطفة على الوضع المأساوي الذي نعيشه نحن في الوقت الحاضر..
انظر الى المجتمع الذي نعيشه اليوم, وانظر الى المكاره _التي عكّرت على الناس حياتهم وسلبتهم، لذّة العيش وحلاوة الحياة_ من أنواع الحرمان, فهذا محروم من المال والآخر محروم من دار يسكنها أو حانوت يتّجر فيه, او مال يؤمّن به حياته وحياة عائلته, أو يداوي نفسه أو من يتعلق به, فترى المشاكل محيطة بالحياة, والأزمات تسد الأبواب على الناس، من فقد الحريات, كحرية السكن, أو السفر،أو التجارة،أو العمل،أو الإقامة،أو الخطابة،أو الكلمة،أو التأليف،أو إبداء،الرأي،وغيرها.
ومن زوال الأمن والأمان, فالإنسان يخاف على حياته وعلى أمواله وعلى عائلته, والضعفاء يخافون من الأقوياء،والأغنياء،تجبّرون على الفقراء،وتنتشر العقد النفسية التي لا تحصى مضاعفاتها.
انظر الى الفقر والمجاعة والفساد والتخلف والانحراف التي يعيشها أكثر البشر في العالم, والأمراض الناتجة من سوء التغذية, وخاصةً بين الأطفال.
أنظر الى المجتمعات ونواقص حياتهم ومحرومياتهم وإهدار كرامتهم ومآسيهم ومصائبهم ومشاكلهم, فالسجون مملوءة بملايين الأبرياء،والحروب تأكل وتسحق وتمزّق وتدمّر وتحرق.
وكل هذا يترك آثاراً سيئة حتى بين أفراد المجتمع داخل الأسر وداخل مؤسسات الدولة.
عند قيام الإمام المهدي عليه السلام, يرحل الفقر عن المجتمع البشري, والحرمان يزول عن الناس, والعقد النفسية تنحل, والأحزان تنقلب أفراحاً, وجحيم الحياة ينقلب نعيماً, والذبول المستولي على الوجوه يتبدل طراوة ونظارة, الخوف يرتفع ،والأمان يسود العالم, والعدالة تظلل رؤوس البشر, والظلم يتبخّر, فلا ترى ظالماً ولا مظلوماً, والمسلمون تتحقق أمنياتهم, والسلام يشمل الكرة الأرضية, والإسلام ينتشر في كل بقعة من بقاع الأرض, فلا يعيش على وجه الأرض الا من يشهد أنْ لا إله الا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنّ الإمام علي ولي الله وحجتهُ.
كل ذلك ببركة نهضة الإمام المهدي عليه السلام, وقيامه وإنجازاته وخطواته الإصلاحية ومشاريعه العمرانية, وتعاليمه القيمة وتطبيقه للقوانين الإلهية.
ليس من السهل الإحاطة بإنجازات الإمام المهدي عليه السلام والإطلاع عليها بصورة مفصلة حين قيامه ونهضته, لأنّ المفاسد والمآسي والمصائب والمنكرات والانحرافات المنتشرة في المجتمعات البشرية عدد غيوم السماء، لا تعّد ولا تحصى.
يجب أن نعلم أنّ أكثر الانحرافات إنما تحدث بسبب القوانين الجائرة التي هي خلاصة أدمغة الهيئات الحاكمة الظالمة، تلك القوانين التي سلبت من البشر الحرية والكرامة, فكانت النتيجة: انتشار الجهل والفقر والحرمان والذنوب والجرائم وغيرها.
إنّ القوانين هي التي تسبب في المجتمعات الفحشاء والسرقة والقتل والجوع وغير ذلك, فإذا أُزيلت تلك القوانين العوجاء وحلّت مكانها الأحكام الإلهية فإن المجتمعات تنقلب الى الرخاء والرفاه والصلاح والاعتدال.
وعلينا أنْ لا ننسى أنّ مئات الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام المذكورة في كتب الشيعة والسنة والتي قد تتجاوز حد التواتر قد صرحت بأنّ الإمام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً.
وهذه الكمية الهائلة من الأحاديث تركّز على نقطتين متلازمتين:
الأولى: أنّ الإمام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الثانية: بعد أنْ تملأ ظلماً وجورا.
فيمكن لنا القول: إنّ الجملة الثانية علّة للجملة الأولى.
وبعبارة أوضح: إنّ ظهور الإمام المهدي عليه السلام يكون إذا امتلأت الأرض بأنواع الظلم والجور, فالحكام يظلمون الشعوب, والأقوياء يظلمون الضعفاء, والرجال يظلموا زوجاتهم وبالعكس، والأولاد يظلمون الوالدين وبالعكس، وكذلك الجيران يظلم بعضهم بعضاً, والأجراء يظلمون من استأجروهم وبالعكس،و يشمل الظلم الأرامل والأيتام والضعفاء بل وحتى الحيوانات،فلا ترى إلا ظالماً ومظلوماً, ويتجاوز الظلم حد الجور, هذه المآسي والضغوط هي التي تهيّئ المجتمعات للانفجار والثورة ضد المتسلطين والطبقة الحاكمة الظالمة.
فإذا قام من يقود الثورة فإنّ ملايين المظلومين يتبعونه ويؤيدونه بصدور رحبة, ويبدون استعدادهم لمؤازرته ويقفون إلى جانبه, إلى حد الموت, لأن تلك الحياة التي يعيشونها تكون مكروهة بغيضة عندهم.
وهذه الأمور تكون مقدّمة تمهيدية لنهضة الإمام المهدي عليهم السلام وقيامه بنشر العدل والقسط في جميع المجتمعات البشرية.
إن حياة البشر لها جوانب عديدة ونواح متعددة، وجميع تلك النواحي والجوانب يمكن أنْ ينتشر فيها الفساد, ولذا فإنّ الإمام المهدي عليهم السلام يقوم بإنجازات عامة واسعة النطاق لإصلاح جميع تلك الجوانب والنواحي.
ويستفاد من الأحاديث الكثيرة أنّ تطوراً عظيماً وتبّدلاً كبيراً سوف يحدث في المجتمعات البشرية كلها في أرجاء الكرة الأرضية وسوف تتغيّر صور الحياة إلى صور أخرى رائعة في جميع مظاهرها ومرافقها.