طول عمر الإمام المهدي عليه السلام وغيبته
آية الله المنتظري
الإمكان الذاتي والوقوعي لطول العمر:
الإمكان الذاتي: لطول عمر الإنسان أمرٌ غير قابل للنقاش والشكّ، لأنّ طول عمر الإنسان من قبيل خرق العادة، وخرق العادة ليس أمر غير ممكن في ذاته، وأقصى ما يقال فيه إنّه غير عادي وقابل للاستبعاد، ومع استبعاده لا يمكن سلب إمكانه الذاتي في الحصول، فالعلل والأسباب التي لها تأثير في عالم الوجود لا تنحصر بهذا العالم أو تكون معلومة لدى البشر وتحت اختياره.
كثير من الأمور وبالخصوص تلك الخارجة عن دائرة المحسوسات والعلوم المادّية والتجريبية التي ثبتت بالأدلة القطعية بعيدة بالإضافة إلى الذهن العادي، نظير إثبات وجود الخالق وصفاته، أو الملائكة والوحي والمعجزات والمعاد والبرزخ والروح المجرّدة، ونظائرها.
وحتّى في دائرة الأمور المادية ايضاً نشاهد كثيراً من الاكتشافات كانت تعدّ من الأمور المستبعدة لدى إنسان القرون السالفة، وبعضها كان ضمن دائرة الأمور التي لا يمكن تحقيقها، وكذلك اكتشافات البشر في المستقبل تعتبر مستبعدة عند بشر اليوم؛ من هنا قيل: كل ما يسمعه الإنسان ولا يجد الدليل القاطع على ردّه، ليس له نفي إمكانه، يقول القرآن الكريم (وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)؛ وذلك لأن: (ما أُوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَليلاً).
وهنا نلفت إلى مثالين من اعترافات علماء الطبيعة:
١- يقول موريس متذرلينك:
كنّا نتوهّم أنّا وقعنا على أسرار الذرّة الصغيرة؛ ولا زالت أسرار ذرّات الكهرباء والألكترون مجهولة عندنا، وليس لدينا أدنى فكرة عن مكونات ذرّات الكهرباء والألكترون وتركيباتها؛ بسبب صغر حجم الألكترون اللامتناهي وعدم إمكان القبض عليه بسبب سرعته في الحركة والانتقال، ووضعه تحت مجهر الفحص والتشريح؛ كما لا نعلم ممّ تتركّب ذرّة النور (فوتون)، ولا زلنا عاجزين عن تحليل وتشريح ذرّات أمواج الصوت، أو ما يصطلح عليه باليونانية (فوتون).
٢- يقول انشتاين:
لا زالت اسطورة السرّ الكبير مُستعصية الفهم... وقد تعلّمنا إلى الآن أشياء كثيرة من كتاب الطبيعة، وتعرّفنا على لغة الطبيعة... رغم هذه المعرفة فإنّا لا زلنا مقابل هذه المجلدات الضخمة من المعرفة بعيدين عن حلّ وكشف المسائل والأمور.
الإمكان الوقوعي: أثبتت تحقيقات العلماء والمتخصّصين وتجاربهم أنّه ليس هناك اجتناب أو حظر في إمكان طول عمر الإنسان، إذ ثبت أنّ حصول جسم الإنسان وروحه على التغذية المناسبة والكافية بلا زيادة أو نقصان، وتشخيصه لجميع الآفات والأمراض الجسمية والروحية التي قد تصيب الجسم وتؤثر عليه، ومن ثمّ اجتنابها، فلا يفسح المجال لعلل الموت وأسبابه.
وأيضاً _بالتجربة_ تغيير الشروط المادية والروحية في الحياة، ومراعاة قواعد حفظ صحة الجسم والروح في محيط الفرد أو في محيط الآباء والأُمهات، فإنّ متوسّط عمر الإنسان قد يتجاوز المائة عام.
وعلى هذا فإنّ أيّ شخص يمكنه _حتى بالطرق غير الطبيعية أو الأتّصال بعالم الغيب_ تشخيص علل سلامة الروح والجسد والأمراض والآفات التي تسبّب قصر عمر الإنسان، فإنّه يستطيع أنْ يعيش قرون عديدة خصوصاً إذا كان ذلك الشخص محطّ عناية وحفظ حضرة الحقّ تعالى، وأنّ المصلحة والإرادة الإلهية تقتضيان طول عمره.
طول العمر في القرآن:
أفضل دليل على إمكان الشيء هو وقوعه، وطبق المصادر الدينية فإنّ الخضر عليه السلام من زمان موسى عليه السلام أو قبله، وعيسى عليه السلام وإدريس عليه السلام، وبناءً على روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنّة الدجّال، وبناءً على رواية كتاب (ينابيع المودة) الخضر عليه السلام وذي القرنين، كلّ هؤلاء لا زالوا أحياءً إلى يومنا هذا.
وربما فُهم إمكان بقاء يونس عليه السلام حياً في بطن الحوت إلى يوم القيامة (على فرض بقائه هناك) من هذه الآية: (لَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحينَ* لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، وأيضاً من هذه الآية: (فَلَبِثَ فيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسينَ عاماً) يُفهم عمر نوح عليه السلام (في حدود الألف عام).
كما ويستنبط بقاء حياة أصحاب الكهف غير العادي كلّ تلك السنين من الآيات المتعلّقة بهم.
والناس متشابهون في حقيقتهم الإنسانية، فإنْ أمكن حصول طول العمر للبعض الآخر أيضاً؛ لأن (حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد).
ينقل آية الله الشيخ آقا برزك الطهراني قدس سره قائلاً:
رأى أحد العلماء المهدي عليه السلام في المنام وسأله عن دليل طول عمره؟ فقرأ عليه هذه الآية: (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحينَ*لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
ثمّ يضيف:
ومثل ما ذكره (الكشّاف) في الاستظهار من ظاهر بقاء الحوت أيضاً حياً إلى يوم القيامة، إذ لا معنى لكلمة (لبث) في بطن الحوت إذا مات الحوت وتلاشى جسمه.
وعلى هذا يستفاد من هذه الآية الشريفة إمكان بقاء يونس عليه السلام والحوت حياً إلى يوم القيامة.
يذكر صاحب كتاب (كمال الدين) نقلاً عن كتاب (المعمّرين) وغيره واستناداً إلى أقوال المؤرّخين الشيعة، أسماء أفراد كثيرة من المعمّرين، ثمّ يقول:
وهذه الأخبار التي ذكرتها في المعمّرين قد رواها مخالفونا أيضاً من طريق محمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن إسحاق بن بشّار، وعوانة بن الحكم، وعيسى بن زيد بن آب (رئاب) والهيثم بن عدي الطائي.
وجاء في هذا الكتاب أيضاً:
(ومخالفونا رووا أنّ أبا الدنيا علي بن عثمان المغربي لمّا قُبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له قريباً من ثلاثمائة سنة، وأنّه خدم بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنّ الملوك استحضروه إليهم وسألوه عن علّة طول عمره واستخبروه عمّا شاهد؟ فأخبر أنّه شرب من ماء الحياة فلذلك طال عمره. وأنّه بقي إلى يوم المقتدر. وأنّه لم يصحّ لهم موته إلى وقتنا هذا، ولا ينكرون أمره، فلماذا ينكرون أمر القائم عليه السلام لطول عمره؟!.
يقول الشيخ الطوسي قدس سره: وروى من ذكر أخبار العرب أنّ لقمان بن عاد كان أطول عمراً، وأنّه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمئة سنة).
وقبل ذلك كان قد قال:
وروى أصحاب الحديث أنّ الدجّال موجود، وأنّه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه باقٍ إلى الوقت الذي يخرج فيه.
وطبق الروايات المتواترة السنّية والشيعية فإنّ خروج الدجّال يكون حين ظهور المهدي عليه السلام، فيُقتل على يديه عليه السلام ويد عيسى عليه السلام.