خفاء الولادة علامة الإمام الموعود
الشيخ أشرف الجعفري
أخبرت كثير من الأحاديث الشريفة بأنّ ولادة المهدي من الحسن العسكري عليهما السلام ستُحاط بالخفاء والسرية، ونسب الإخفاء إلى الله تبارك وتعالى، وشبّهت بعضها إخفاء ولادته عليه السلام بإخفاء ولادة موسى عليه السلام، وبعضها بولادة إبراهيم عليه السلام، وبيّنت علّة ذلك الإخفاء بحفظه عليه السلام حتى يؤدّي رسالته، ونستعرض هنا نماذج منها:
- فمثلاً روى الشيخ الصدوق في (إكمال الدين) والخزاز في (كفاية الأثر) مسنداً عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام ضمن حديث قال فيه:
(أما علمتم أنه ما منا إلا وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم عليه السلام الذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه؟! وإنّ الله عز وجل يُخفي ولادته ويغيّب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين عليه السلام، ابن سيدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهر بقدرته ..)
- وفي حديث رواه الصدوق بطريقين عن الإمام علي عليه السلام قال:(... إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه).
- وروى عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال (في القائم منّا سنن من الأنبياء... وأمّا مِن إبراهيم عليه السلام فخفاء الولادة واعتزال الناس...).
- وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال:( في التاسع من ولدي سنّة من يوسف عليه السلام، وسنّة من موسى بن عمران عليه السلام، وهو قائمنا أهل البيت عليهم السلام يصلح الله أمره في ليلة واحدة).
- وروى الكليني قدس سره في (الكافي) بسنده عن الإمام الباقر عليه السلامأنه قال في حديث له: (انظروا من خفي (عمي) على الناس ولادته فذاك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يُشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيضاً أو رغم أنفه).
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة تخبر صراحة _وقبل وقوع ولادة الإمام المهدي عليه السلام_ بخفائها، وفي ذلك دلالة وجدانية صريحة على صحتها، حتى ولو كان في أسانيد بعضها ضعف أو مجهولية، لأنّها أخبرت عن شيء قبل وقوعه، ثم جاء الواقع مصدّقاً لما أخبرت عنه، وهذا ما لا يمكن صدوره إلا مِن جهة علّام الغيوب تبارك وتعالى، الأمر الذي يثبت صدورها عن ينابيع الوحي وباخبار من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ويلاحظ أنّ هذه الأحاديث الشريفة تصرّح بأنّ خفاء الولادة من العلائم البارزة المشخّصة لهوية المهدي الموعود والقائم من ولد فاطمة عليهما السلام الذي بشّرت به الأحاديث النبوية، وهذا أحد الأهداف المهمة للتصريح بذلك، وهو تعريف المسلمين بإحدى العلام التي يكشفون بها زيف مزاعم مدّعي المهدوية، كما شهد التاريخ الإسلامي الكثير منهم، ولم تنطبق على أي منهم هذه العلامة، فلم تحط ولادة أي منهم بالخفاء كما هو ثابت تاريخها.
وتشير الأحاديث الشريفة المتقدمة إلى علة إخفاء ولادته عليه السلام، وهي العلة نفسها التي أوجبت إخفاء ولادة نبي الله موسى عليه السلام، أي حفظ الوليد من سطوة الجبارين ومساعيهم لقتله، إتماماً لحجة الله تبارك وتعالى على عباد ورعاية له لكي يقوم بدوره الإلهي المرتقب في إنقاذ بني إسرائيل، والصدع بالديانة التوحيدية ومواجهة الجبروت الفرعوني بالنسبة لموسى الكليم عليه السلام، وهكذا إنقاذ البشرية جمعاء وإنهاء الظلم والجور وإقامة القسط والعدل وإظهار الإسلام على الدين كله بيد المهدي المنتظر عليه السلام، وهذا ما كان يعرفه أئمة الجور من خلال النصوص الواردة بهذا الشأن، ففرعون مصر كان على علم بالبشارات الواردة بظهور منقذ بني إسرائيل، وهو موسى عليه السلام من أنفسهم، ولذلك سعى في تقتيل أبنائهم بهدف منع ظهوره عليه السلام، وكذلك حال بني العباس، إذ كانوا على علم بأن المهدي الموعود عليه السلام هو من ولد فاطمة عليها السلام وأنّه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد انتشرت الأحاديث النبوية المصرحة بذلك بين المسلمين ودوّنها علماء الحديث قبل ولادة المهدي عليه السلام بعقود عديدة، كما كانوا يعلمون بأنّ الإمام الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر من أئمة العترة النبوة عليهم السلام، لذا فمن الطبيعي أنْ يسعوا لقطع هواجس ظهور المهدي الموعود عليه السلام بالاجتهاد من أجل قطع نسل والده العسكري عليهما السلام.
ومن الواضح أنّ مجرد صحة هذه الأحاديث كان كافياً لدفعهم نحو إبادته، فكيف الحال وهم على علم راجح بذلك، خاصةً وأنْ ليس بين المسلمين سلسلة تنطبق عليهم مواصفات تلك الأحاديث مثلما تنطبق على هؤلاء الأئمة الإثني عشر عليهم السلام.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن أنْ نفهم سر ظاهرة قصر الأعمار التي ميّزت تاريخ الأئمة الثلاثة عليهم السلام الذين سبقوا الإمام المهدي عليه السلام من آبائه، فقد استشهد أبوه العسكري عليه السلام وهو ابن ثمان وعشرين، واستشهد جدّه الإمام الهادي عليه السلام وهو ابن أربعين سنة، واستشهد الإمام الجواد عليه السلام وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهذه ظاهرة جديرة بالدراسة، وتكفي وحدها للكشف عن المساعي العباسية الحثيثة لإبادة هذا النسل للحيلولة دون ظهور المهدي الموعود عليه السلام، حتى لو لم يسجل التاريخ محاولات العباسيين لاغتيال وقتل هؤلاء الأئمة عليهم السلام، فكيف الحال وقد سجل عدداً من هذه المحاولات تجاههم عليهم السلام، حتى ذكر المؤرخون مثلاً انهم قد سجنوا الإمام العسكري عليه السلام وسعوا لاغتياله عدة مرات، كما فعلوا مع آبائه عليهم السلام!
يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام معللاً هذه الحرب المحمومة ضدهم عليهم السلام فيما رواه معاصره الشيخ الثقة الفضل بن شاذان:
قال: حدثنا عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب قال: قال أبو محمد الإمام العسكري عليه السلام:( قد وضع بنو اُميّة وبنو العبّاس سيوفهم علينا لعلّتين: احداهما انّهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا ايّاها، وتستقرّ في مركزها. وثانيها انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون انّهم من الجبابرة والظلمة فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم عليه السلام أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلاّ أن يتم نوره، ولو كره المشركون).