ان زيارة السرداب من أصح الزيارات سنداً ودلالة
جاء هذا في كتاب ((هداية الألباب إلى شرح زيارة السرداب)) لمؤلفه الشيخ
(محمد جميل حمود) وقد بيّن الشيخ دليله على هذه الدعوى قائلاً:
إن زيارة السرداب من أهم الزيارات الخاصة بالإمام القائم عليه السلام بعد زيارة آل ياسين, وقد عملت بها الطائفة المحقة ولم يخالف احد في ذلك مطلقاً, وتغني دلالتها عن سندها, ولا عبرة بالسند ما دامت الطائفة مجمعة على صحتها, فيكون الاجماع في قوة السند الصحيح, بل من أعلى مراتب القوة, لان البحث في السند انما يكون لاثبات الدلالة, ومع هذا فان الراوي لها هو محمد بن عثمان السفير الثاني للامام الحجة عليه السلام, في الغيبة الصغرى وهو في الوثوق والعدالة ما صار من الضروريات عند الشيعة, والراوي عنه هو إبن طاووس مع بعد المسافة بينهما, ويرجع السبب في ذلك إلى أن شدة التقية التي كانت سائدة بين الموالين استدعت إخفاء الوسائط المتصلة بالسفير الثاني.
مضافاً إلى أن الزيارة الشريفة ليست كالرواية...
متعلقة بين اثنين -الراوي والمروي عنه- بل تتميز عن الرواية من جهة ابتداء الإمام بصدورها بواسطة السفير لتربية الافراد وتكميل نفوسهم من خلال ربطهم الفكري والمعنوي بزيارة الإمام القائم عليه السلام, وهذا النحو من التربية ليس بحاجة إلى طرق رجالية نثبت من خلالها صحة الزيارة, وان أبيت إلا المناقشة في السند فإن عمل الطائفة بها يصحح العمل بها, مضافاً إلى وجود قرائن من الكتاب والسنة الشريفة تثبت صحة مفرداتها وفقراتها, فالعبرة حينئذ بالقرائن اللفظية واللبية المتوافرة في الزيارة الشريفة, لذا فهي في غاية الصحة والمتانة, وقد رواها أيضاً (الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشهيد الأول ومؤلف المزار الكبير), (والكفعمي في المصباح والبلد الامين), (والغروي في كتاب العتيق) (والسيد إبن طاووس والشيخ عباس القمي), ويستحب للمؤمن زيارة إمام زمانه بها, سواء في السرداب أو غيره كل يوم ليجدد العهد مع الإمام القائم عليه السلام.
ومن البعيد جدا أن يروي هؤلاء الأماجد الأتقياء هذه الزيارة دون أن يكون لها أصل يعتمدون عليه, لا سيما وأنهم من أهل الدراية والرواية, وعليهم المعول في نشر ما ثبت عن أئمة آل البيت عليهم السلام, فأي احتمال عكسي في حقهم منفي بالأصل.
بالإضافة إلى ذلك فإن المجمع عليه بين الأصحاب, فتوىً كان أو رواية مما يجب العمل به لقول الإمام الصادق عليه السلام, في حسنة عمر بن حنظلة: (المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به, فإن المجمع عليه لا ريب فيه).
فإجماع الطائفة على أمر يعتبر قرينة قطعية على صحة صدوره عن المعصوم عليه السلام, واحتمال تعمد الناقلين للزيارة بالكذب على المعصوم عليه السلام, مدفوع بعدالتهم أو وثاقتهم, كما إن احتمال غفلتهم بمعنى أنهم نسبوا الزيارة إلى الإمام عليه السلام, غفلة منهم, مدفوع أيضاً بأصالة عدم الغفلة التي استقر عليها بناء العقلاء, وأيضاً فإن احتمال كونهم -أي هؤلاء المحدثين- صنفوا هذه الزيارة مدفوع بأصالة العدم, فلا يبقى إلا أن تكون الزيارة من إنشاء المعصوم، للقرينة الدالة على ذلك، وهي عدم تصريح أحد بأنّ الزيارة من إنشاء غير المعصوم عليه السلام, فتدبر.
إن زيارة السرداب اشتهرت بين الشيعة, حتى استغنت باشتهارها عن ذكر إثباتها وبيان سندها, فكانت متلقاة عند جميع الشيعة بالقبول من غير معارض لها ولا راد لها مع ما اشتملت عليه فقراتها من المعاني الجليلة والاسرار اللطيفة بحيث يشهد العقل السليم والسليقة المستقيمة والوجدان الصحيح بصحة ورودها عن المعصوم عليه السلام، فإن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً.
وبغض النّظر عن كل ذلك فإن استحباب العمل بها لا يشترط فيه قوة السند, ما دامت داخلة في باب الزيارات والتوسلات بل هي ملحقة بباب الإعتراف بفضائلهم وعلو منزلتهم عند الله تعالى, وكل هذا لا بأس بالركون إليه لكونه داخلاً في قاعدة التسامح في أدلة السنن, فما الضير أن يتوجه العبد السالك إلى الله عبر الحجج الطاهرين: (وابتغوا اليه الوسيلة) من خلال زيارة السرداب وآل ياسين وأمثالهما, ما دام هذا العمل من الوسائل التي تقرب إلى المعصوم وتغرس في نفس الزائر عوامل الخير والارتباط بصاحب الزمان عليه السلام.
وهل ثمة عمل آخر أفضل من الزيارة ليقرب إلى الإمام المهدي عليه السلام؟ وهل ثمة طريق روحي غير زيارتهم يمكن من خلاله أن يتصل الزائر بإمام زمانه عليه السلام؟ كلاّ.. كلاّ.
فينبغي للسالك العارف أن يعرج إلى حرم الولاية من خلال الزيارة الشريفة ونظيراتها بتأمل مفرداتها والتفاعل معها, مستغرقاً بمعانيها, متوجهاً بفكره ومشاعره إلى القائم المهدي عليه السلام, لأن مناجاته طريق لمرضاة الرب وتحصيل بركاته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المجادلة/١٢), ومناجاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سارية المفعول حتى بعد وفاته لكونه صلى الله عليه وآله وسلم حياً يرزق عند الله تعالى, فكما يجوز التوسل والمناجاة معه صلى الله عليه وآله وسلم يجوز أيضاً بنفس المناط مع عترته الطاهرة لا سيما مولانا الإمام القائم عليه السلام, لكونه حياً يرانا ويسمعنا, فالأولى التوسل إليه والمناجاة معه في المكان الذي ترعرع فيه ولا يزال يزوره لأن أبويه مدفونان هناك, مضافاً إلى أن تردده إليه لأجل قضاء حوائج المستغيثين بجنابه الأقدس.