نافذة الدعاء المهدوي
للدكتور: محمود البستاني
دعاء عصر الغيبة
(فانك ان لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك...)
تواصلاً بحديثنا عن الأدعية المباركة ومنها الدعاء الذي يقرأ في غيبة الإمام المهدي عليه السلام, نتحدث الآن عن الفقرة الثانية من الدعاء والقائلة (فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك)...
هذه الفقرة لو وصلناها بسابقتها (اللهم عرفني نفسك) لأمكننا ان نقرر بوضوح ما اوضحناه من ان الله تعالى فطرنا على التوحيد، وحبب إلينا الإيمان، وكره الفسوق والعصيان، وألهمنا فجور الأشياء وتقواها, وقلنا ان هذه المعرفة إجمالية تحتاج إلى تفصيل, وهذا التفصيل تضطلع به رسل الله تعالى.
وها نحن نتحدث الآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين حيث نعرف ان الرسل جميعاً نشروا مبادئ الله تعالى في التوحيد وفي معرفته, حيث عرفنا الله تعالى من خلال تعريفه إيانا بواسطة رسله بميدان المعرفة, حتى تصل إلى الرسول الخاتم, إن الحكمة الإلهية تقتضي ان تكون رسالته خاتمة الرسالات هي الأكمل بطبيعة الحال، وما دام لكل زمان ومكان سياقاته الخاصة فحينئذ يكون الزمان الأخير مضطلعاً بمهمة كاملة هي الوصول إلى المعرفة التي أرادها الله لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فنحن نعلم بان الله تعالى لا يعرف احد كنهه سواه حينئذ, فان المعرفة النسبية التي يتفضل بها الله تعالى علينا بمعرفته تظل في الواقع معرفة لا مناص عن صدورها عن الله تعالى, حيث لا نملك نحن من جانب معرفة سابقة بالميادين أو الصفات التفصيلية بقدر ما تتجسد في نظرتنا وإلهامنا للخير والشر فينحصر الأمر عندئذ بمعرفة التفصيلات بالرسل.
نقف عند الفقرة الممهدة ذاتها أي معرفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, حيث لاحظنا ان الدعاء يقرر أولاً ان الله تعالى إذا لم يعرفنا نفسه لم نعرف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وكذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, إذا لم يعرفنا الله تعالى إياه لم نعرف الوظيفة المترتبة على سلوكنا العبادي الذي خلقنا الله تعالى من اجله.
إذن الفقرة القائلة (اللهم عرفني رسولك) هنا تعني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, فضلاً عن نمطه الخاص بمعرفة الله تعالى لشخصية محمد صلى الله عليه وآله وسلم, فان المعرفة الثانوية التي أوكلت إلينا بتحققها من خلال تعريف الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تعني ان نقدر رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونتبين عظمة الرسالة وعظمة المبادئ التي ينبغي ان تصدر عنها, اي نمارس تطبيقاً لما سبق وأن رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخيراً فلا مناص لقارئ الدعاء من ان يستثمر تلاوته لهذا الدعاء وذلك بمعرفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, ومعرفة المبادئ التي جاء بها والحجج علينا, ومن ثم بضرورة العمل بالمبادئ والتدريب عليها والتصاعد بها إلى النحو المطلوب.