الاطروحة المهدوية
الحلقة الاولى
السيد كمال الحيدري
ان المقصود من هذه الاطروحة بمعناها العام هو الإيمان بوجود منقذ ومصلح في آخر الزمان, وهي قضية شغلت الفكر الإنساني على مر التاريخ ويتضح للمتتبع بان الإيمان بوجود مصلح وبغض النظر عن ما هي شروط هذا المصلح, ومن هو,وهل هو موجود أو غير موجود, أو انه معصوم أو غير معصوم, إلا انه سيطبق اطروحة إلهية أو اطروحة إنسانية, فأصل الفكرة أصل إنساني.
وعندما نراجع ما عند الملل والنحل من الاتجاهات نجد ان الجميع متفقون على ان الإنسانية لابد لها في آخر الزمان ان تنتهي إلى حالة من السعادة والعدل, وهو ما تفقده الآن فعلا.
فإننا نجد لهذه المسألة أصولاً في البوذية,وفي البراهمية, وفي الزرادشتية, وفي الكونفوشسية الصينية, وهكذا نجد ان كل أولئك بشكل او بآخر يعتقد بفكرة وبأصل المهدوية وباطروحة المهدوية, ولكن لا يمكن القول ان الجميع يعتقدون بما تقوله مدرسة أهل البيت عليهم السلام, فكل يفسر هذه الاطروحة بحسب مبانيه الفكرية والعقدية والثقافية والاجتماعية.
وأننا نجد حتى الماركسية قد آمنت بأنها سوف ننتهي إلى مجتمع لا توجد فيه طبقية أو تعدد طبقي, وهو اليوم الموعود بالنسبة للنظرية المادية الماركسية.
إن من يعتقدون بهذه المسألة من المسلمين كلهم ينتظرون تحقق عزة الإسلام وان اختلفوا في اسمه ونسبه وأوصافه وما يجري عليه عليه السلام).
فهذه الاطروحة, وهذه المسألة ليست فكرة عابرة مرت أو وردت عندنا في رواية أو روايتين, أو صححها فلان وضعفها فلان, وقبلها فلان أو رفضها فلان.
ان الأهمية و الاهتمام والعناية بهذه الاطروحة لا يختص بمدرسة أهل البيت عليهم السلام, بل هو اهتمام يعم كل المسلمين, بل حتى من هو خارج نطاق الإسلام.
وسوف نحاول بقدر المستطاع ان نتوفر على الأصول الأساسية لهذه الاطروحة, ومحاورها وهي:
المحور الأول:
وفيه ما قد يقال في ان انتظار المخلص هو من الوهم الذي لا واقع له, وهو سراب يعيشه الإنسان ويؤمل نفسه لأنه لا يستطيع ان يقضي على الفروق الموجودة في مجتمعه, أو على الظلم الموجود فيه, وقد يقول قائل بان مثل هذه الانسان يمني نفسه, فعلى هذا هل ان هذه الفكرة لها أصل واقعي ولها مصداق سوف يتحقق خارجا, أو لا واقعية لها؟
من هنا فلابد ان نتوفر على هذه الحقيقة قرآنيا: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) وروائيا ان _الأرض_ ستملئ عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا.
وهو الدليل على ان العدل الحقيقي الإلهي الذي أراده الله سبحانه وتعالى لهذه البشرية في آخر تاريخها الطويل, سوف يتحقق جزما, وانه حق لا ريب فيه؟
أما المحور الثاني:
ويأتي هذا التساؤل ليقول إذا كان الإمام موجودا فلماذا لا يظهر؟
لماذا لا يعرف نفسه؟ وهذا التساؤل نسمعه في الآونة الأخيرة كثيرا على مواقع وفضائيات متعددة سؤال يتكرر ليقول إذا كان الإمام حيا وموجودا ومطلعا على أوضاع البشرية فماذا ينتظر؟ و لماذا لا يخرج ولماذا لا يملأ الأرض قسطا وعدلا ولماذا ولماذا ولماذا إلى غير ذلك من التساؤلات.
من هنا لابد ان نجيب فنقول انه كي يتحقق العدل الإلهي فلابد من ان تحقق شروط معينة, فاذا تحققت هذه الشروط فعند ذلك يظهر الإمام عليه السلام أو عند ذلك سيأتي المخلص كما تسميه بعض النظريات التي لا تقول بأنه حي, وبأنه سيولد.
ولو أننا هنا نسأل لماذا لم يخلق الله سبحانه وتعالى هذا المصلح لحد الآن؟
فالحكمة الإلهية اقتضت ان يوجد المصلح, وبعد ذلك فإما انه حي الآن, وإما انه سيولد بعد ذلك, _بمعنى أن المليار مسلم_ كلهم ينتظرون تحقق عزة الإسلام وانتصاره على يديه وان اختلفوا في اسمه).
والسؤال إذا كانوا ينتظرونه لماذا لا يخلقه الله تعالى, لماذا لم يخلقه الله تعالى والأرض محتاجة إليه حيث الظلم والاستكبار والمشاكل التي تحكم البشرية والحروب القائمة والظلم الاجتماعي سواء آمنا بأنه موجود وحي ولم يظهر أو لم نؤمن, أو آمنا بأنه سيوجد وسيولد ويقيم العدل.
فمن كل هذا نستكشف حقيقة ساطعة وهي ظهوره عليه السلام وإقامته للعدل وان ظهوره يتوقف على مجموعة من الشروط, وما لم تتحقق تلك الشروط بمقتضى الحكمة الإلهية, فلا ظهور.
إلى هنا الحلقة الأولى