في اطار حديث سماحة الشيخ حسن الجواهري الاستاذ في الحوزة العلمية في قم المقدسة
جاءت هذه المحاضرة القيمة بعنوان:
المهدوية ضرورة في الإسلام
في بداية حديثه بارك الشيخ للأمة الإسلامية والبشرية جمعاء ولادة منقذ البشرية من الضلالة إلى الهدى...
من هو الشيخ حسن الجواهري:
هو الشيخ حسن، نجل آية الله محمد تقي، نجل آية الله الشيخ عبد الرسول، نجل آية الله الشيخ شريف، نجل آية الله الشيخ عبد الحسين، نجل شيخ الطائفة الشيخ حسن (صاحب الجواهر)، الكتاب الذي قالوا فيه انه لم يؤلف مثله في الإسلام.
ولد الشيخ حسن الجواهري في النجف الأشرف سنة ١٩٤٩ للميلاد.
ونشأ فيها وأكمل مراحل دراسته الأكاديمية، وكان آخرها كلية الفقه التي تخرّج فيها سنة١٩٧١.
درس الشيخ حسن الجواهري الفقه ودرّسه. وكان نشطاً في التدريس والمشاركة في الندوات الأدبية في النجف الأشرف كندوة الأدب الرسالي، والرابطة الأدبية- وله شعر القي في مناسبات عديدة، وديوان مطبوع.
له حلقة درس في الفقه (المكاسب) وأخرى في الأصول (كفاية الأصول) وله إشراف على بعض المدارس الحوزوية في النجف الأشرف.
وشارك في عدة مؤتمرات فقهية خارج العراق.
محاور المحاضرة
تضمنت المحاضرة المحاور التالية:
١- معرفة الحجة:
إنَّ معرفة الحجة من أهم مسائل البناء العقائدي لأنها المقدمة الموصلة إلى الله تعالى.
٢- إمامة الحجة:
إن إمامته عليه السلام هي إمامة مطلقة لا يحدّها زمان ولا يحدّها مكان، فهي نور الله الذي لا يطفأ، فهي للبشرية جمعاء.
٣- جذور الفكرة المهدوية في الدين:
فكرة المهدوية في الإسلام فكرة ضرورية اعترفت بها جميع الفرق الإسلامية، وهي فكرة نابعة من صميم دين الإسلام.
٤- المهدوية وفكر اهل البيت عليهم السلام:
حيث لا يوجد تفسير للقضية المهدوية والروايات الشريفة الواردة بخصوصها إلا بما يقوله الشيعة الإمامية.
نص المحاضرة
شرع سماحة الشيخ بالحديث في محاضرته، وإليكم المحاضرة على نحو من الاختصار:
في الكافي عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته, منهم من يقول, مات ابوه, ومنهم من يقول حمل (مات ابوه وهو حمل), ومنهم من يقول أنه ولد قبل موت ابيه بسنتين, ثم قال: يا زرارة ان ادركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك... الحديث)
في هذا الحديث يبين لنا الإمام عليه السلام ان معرفة الحجة على الخلق من أهم مسائل البناء العقائدي؛ لأنها المقدمة الموصلة إلى الله تعالى, والأئمة عليهم السلام يقولون:
(بنا عرف الله، بنا عرف الله، لولانا ما عرف الله).
وحينما يقول الإمام عليه السلام: بنا عرف الله،يعني بذلك الأئمة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الرسول خاتم وإمام بالإضافة إلى نبوته صلى الله عليه وآله وسلم. فهو على راسهم وهو اولهم عليه السلام. وان معرفة الله معرفة حقيقية لا تتم إلا عن طريقهم.
فالإمامة هي الارتباط بيننا وبين الله سبحانه وتعالى وبهذا يتأكد ان الإمامة أصل المطلب.
وبهذه النظرية تنهدم قواعد غير الشيعة الإمامية، هؤلاء الذين لا يقولون بأن الإمامة منصوبة من قبل الله تعالى، والآية الكريمة تقول: ((وجعلنا منهم أئمة)) وعليه فإن الإمامة بالجعل وليست بالانتخاب وليست بالادعاء، والقول (( جعلنا منهم أئمة)) يعني انّ هؤلاء الذين كانوا مع الرسل قد جعلناهم أئمة، جعلنا هذه الأطروحة التي في الإمامة، أي الإمامة التي تكون في زمان مخصوص، وفي مكان مخصوص.
وهنا نقول: هذه الإمامة الصغيرة، الخاصة تحتاج إلى جعل، فكيف إذن مطلق الإمامة العامة التي تكون بعد الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي هي للبشرية جمعاء ولا يحدها زمان ولا يحدها مكان، ألا تحتاج أن تكون مجعولة من قبل الله تعالى وليست بانتخاب او بادعاء، وهذا ما نريد أن نثبته.
إننا حينما نزور الإمام المهدي صلوات الله عليه، نقول ومن ضمن فقرات الزيارة الواردة عن الائمة عليهم السلام هذه العبارة ((السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ)) ويعني: السلام عليك أيها المهدي يا نو ر الله الذي لا يطفأ.
وإننا حينما نأتي إلى القرآن الكريم نرى ان الله سبحانه وتعالى يقول:
((يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) وفي آية ثانية يقول عزمن قال: ((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)).
أترى ان بين ما جاء في الزيارة التي جاءت من قبل الأئمة عليهم السلام أي عبارة ((السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ)) وبين الآية القرآنية التي تقول ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ)) أمراً مشتركاً، فهل هذا اتفاق أم هو إعجاز من القرآن؟..
نقول: انه بلا شك إعجاز، فالإمام المهدي نور الله الذي لا يطفأ، ومن لم يكن امامياً مهدوياً فهو يسعى لإطفاء ذلك النور، والقرآن يقول: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
فبالتأكيد ليس بين الامرين اتفاق، بل إعجاز.
نحن نعتقد بأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر، كلهم من قريش، أولهم الإمام علي عليه السلام وآخرهم المهدي الحجة بن الحسن عليه السلام، هذه عقيدتنا وعليها الأدلة الروائية التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفكرة المهدوية فكرة إسلامية ضرورية، اعترفت بها جميع الفرق الإسلامية، وهناك ستة آلاف رواية يذكرها...(الشيخ لطف الله الصافي) في كتابه -منتخب الأثر- كلها تدل على ان المهدوية من صميم دين الإسلام. وقلمّا تجد في موضوع واحد مثل هذا العدد الهائل من الروايات.
إننا نرى حتى من هو متعصب ضد الإمامية مثل ((ابن تيمية)) يقول:
(إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة)، رواها أبو داود والنرمذي واحمد وغيره، ومن حديث ابن مسعود وغيره كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)) وفي رواية سلمان رضي الله عنه قال: ((من أي ولدك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: من ولد ولدي هذا، وضرب على كتف الحسين عليه السلام)). وقد ورد أيضاً في حديث أبي بكر الاسكافي: ((قال من كذّب بالدّجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر)).
فهل توجد في العالم نظرية تقول بأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر غير نظرية الإمامية؟
لقد صرح بعض اهل السنّة فقال: (إن هذه الروايات لا يمكن أن تفسر وليس لها وجه صحيح إلا على ما تقوله النظرية الإمامية).
إذن ما اخذناه قد أخذناه من السنة النبوية وليس من تراثنا نحن -القضية الأولى تقول: ان المهدوية ضرورة إسلامية، والأخرى التي تقول أنهم- أي الأئمة عليهم السلام اثنا عشر وكلهم من قريش.
يدعي البعض إن هذه الروايات قد اخترعها الشيعة لأنهم وقعوا في مأزق باعتبار إن الإمام الحسن العسكري عليه السلام مات وعمره ثمان وعشرون سنة ولم يوص ولم يكن له ولد، فاخترع الشيعة الإمامية هذه الرواية، لأن عندهم ان الإمام لا يموت حتى يوصي إلى ولده، فلما لم يكن لديه ولد فالشيعة قد اختلقوا هذه المقالة.
ونحن نقول بإزاء هذا الادّعاء: إن هذا إرهاب فكري،والإرهاب اثنان عملي وفكري، فأي مأزق للشيعة إذا مات الإمام الحسن العسكري عليه السلام وليس له ولد؟ كان بامكان الشيعة ان يقولوا ان الإمام هو أخوه أي اخو الإمام الحسن العسكري عليه السلام، كما ان الإمام الحسن عليه السلام إمام،والإمام الحسين عليه السلام إمام أيضا، فإذا أراد الشيعة أن يخرجوا من المأزق فسيقولون ان الإمام أخوه، فلماذا لم يقولوا ذلك إذن؟
وقالوا ان الإمام ولده وقد غاب، فلا قضية هناك ولا مأزق.
والنتيجة انه لا يوجد تفسير لتلك الروايات إلا ما يقوله الشيعة الإمامية.
وان جملة من أهل الإنصاف من السنة قد ذكروا ذلك واعترفوا بأن المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام، منهم (محيي الدين بن العربي) في الفتوحات المكية- حيث ذكر ان الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الحجة بن الحسن العسكري- ولكننا نجد في الطبعة الثانية من الكتاب ان ما ذكره ابن عربي، قد حذف -أي حذفت العبارة التي تؤكد نسب الإمام المهدي عليه السلام، لكن من حذفوها نسوا ان علماء السنة كانوا قد نقلوا العبارة عن الفتوحات المكية في طبعتها الأولى في كتبهم..وان حذفها في طبعات لاحقه لخيانة كبرى- خيانة ان يحذف رأي عالم من كتابه بعد ان ذكر؟.
ومن اهل الانصاف أيضاً (الشعراني) في (اليواقيت والجواهر) ومنهم (الحمزاوي) في (مشارق الأنوار) ومنهم (الصبان) في كتاب (إسعاف الراغبين) ثم (سبط ابن الجوزي) في كتابه( تذكرة الخواص) ثم (ابن الخشاب المالكي) في كتابه (الفصول المهمة) و(محمد النجار الحنفي) في كتابه (فصل الخطاب)، كل هؤلاء اعترفوا ان الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.
فهذه هي الحجة, وهذا هو الدليل, وكان من السنة النبوية, وبالسّنة النبوية تنتهي كل الاشكالات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.