رصدنا تتجول في اروقة السينما والمسرح
لتنقل لنا فكرة المخلص في اطار الرؤى المسرحية والسينمائية
شغلت فكرة (المخلّص) الفكر الإنساني منذ قديم الزمان، وقد دخلت هذه الشخصية الأعمال الأدبية والسينمائية والمسرحية لتكون جزءا من اشتغالاتها، فأخذت تتعامل معها على أسس ثابتة مستمدة من الرؤية الدينية التي شكلت أساس هذه الفكرة فاكتسبت بذلك الطابع الغيبي والقدرة على الفعل الخارق حتى عد من الخصائص الثابتة لهذه الشخصية التي لا يمكن تجاوزها إلا من خلال تجاوز حجم الخلاص الذي يستطيع هذا المخلّص تقديمه ونوعه.
و(رصدنا) لهذا العدد رصدت بعض تلك الأعمال التي تدور احداثها حول شخصية المنقذ وفكرة المخلص.
وكانت الآتي:
١ - مسرحية (هو الذي رأى)
كان اول رصدنا في (صحيفة العدالة) فقد نشرت بتاريخ ٩/١٢/٢٠٠٦ مقالا بعنوان (المخلّص البائس- رؤية مسرحية جديدة للمخلص)
وهذا العمل يريد تسليط الضوء على من يدعّي انّه المنقذ والمخلّص, إذ أشار المقال الى ان مخرج المسرحية تقدم بالعرض المسرحي (هو الذي رأى) وهو عمل من تأليفه وتقديم فرقة (بيت الفن) على مسرح (النشاط المدرسي في الناصرية)، برؤية جديدة للمخلص الذي استطاع المقال ان يسميه المخلّص البائس.
ولما كان المؤلف قد تجاوز المرجعيات الرئيسة لهذه الفكرة، محاولا تقديم رؤيته الخاصة، فقد جاءت رؤية العرض لهذه الشخصية رؤية مرتبكة جدا، أغلقت باب التواصل الفكري مع العرض وفتحت باب التواصل العاطفي مع الأب المفجوع, ذلك لان شخصية المخلّص التي يفترضها العرض شخصية معروفة بوجودها الواقعي وتكوينها الاجتماعي، فهو ابن الرجل العجوز ونتاج البيئة الشعبية، وهنا لا يمكن لأحد حتى الأب نفسه ان ينتظر خلاصا كبيرا من هذه الشخصية, أو قيامها بفعل خارق للعادة مثل تحويل كل ما تلمسه إلى ذهب أو مساعدة كل الناس) تلك الأمور التي اخبر بها الرجل الأخضر أو تمناها الأب).
فالخلاص الذي من الممكن ان ينتظر من هذه الشخصية خلاصا فرديا أو محدودا في أحسن تقدير لعدم ارتباطها بمرجعية غيبية، إذ ان الهجرة أو الفرار من مواجهة وضع قائم لا يمثل غيبة كالتي تطرحها المرجعيات الدينية.
واتصور ان هذا ما أراد ان يوحي به العرض من خلال شخصية (الرجل الأخضر) وهو في أقصى التقادير يمثل عرافا يستغل الجاهلين ويسلب أموالهم، مما يقطع علينا إمكانية ربطه بدين محدد وخاصة دين الإسلام الذي حاول العرض الإيهام به بواسطة (اللون الأخضر) وشكل البناء القريب من المنارة.
٢ - مسرحية (السيد الذي يعرف كل شيء)
أما جريدة الصباح العراقية فقد جاء في أحدى مقالاتها تحت عنوان (الضدية بين السلطة و الفنان تؤدي إلـى الدهشة و توليد الوعي) في صفحة (فنون) ان أحد مخرجي المسرح كاد ان يتعرض للموت بسبب عمل مسرحي له كان بعنوان (السيد الذي يعرف كلّ شيء).
وهي مسرحية تتناول فكرة المنقذ والمخلّص، في مشهد صوري يختفي, ويظهر بطل المسرحية (ستراكون) بمرشة مبيدات يرش بها الجمهور ويفتح ابوابا مطلة على الفضاء الخارجي، اشارة الى تطهير الأرض من الظلم والفساد.
٣ - فلم ((في انتظار الجنة))
وقد نشرت (صحيفة الرأي الكويتية) بتاريخ ١٨/٢/٢٠٠٨ مقالا بعنوان (في انتظار الجنة) وهو عنوان الفيلم (التركي) الذي شارك في المسابقة الدولية (لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي) وتدور أحداثه في تركيا في القرن السابع عشر من خلال سيرة رسام اسمه (أفلاطون) يعيش في اسطنبول، ويحاول أن يمزج في رسوماته بين الذوقين الشرقي والغربي.
وفي اشارة واضحة من المخرج الى ضرورة امتزاج الثقافات وفهم الآخر.
فاز الفلم بجائزتي أفضل سينوغرافيا وموسيقى في مهرجان ايطاليا في ذلك العام.
وعن فكرة المهدي المنتظر التي حملها الفيلم تحدث مخرج الفلم قائلاً: (لم أقصد بالطبع أي فكرة دينية، ولم أقصد شخصية المهدي المعروفة في الثقافة العربية، ولكنني استوحيت فكرة المنقذ في عصر مليء بالظلم والتعذيب، كما أن ذلك المنقذ ليس له علاقة بأفلاطون ولا بالنبي دانيال).
وردا على سؤال عن فكرة الانفتاح على الغرب، وهل كان المخرج يقصدها عند كتابة الفيلم؟ قال: (هذه الفكرة التي أعتبرها رسالة مهمة كانت أحد الأسباب الرئيسة التي صنعت من أجلها الفيلم، فلابد من فهم الآخر حتى لا نصبح أعداء)، فهذه رسالة رأيت أنها مهمة جدا وحاولت تبسيطها من خلال الرسم.
٤ - مسرحية ((متى نراك))
حدثتنا صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ ٢٢/٨/٢٠٠٨ عن مسرحية ((متى نراك)) من أنها تتناول فكرة (ظهور الإمام المهدي), هذا هو المعنى المباشر للنص الذي قد يختزن أساساً فكرة ((المخلّص))عموماً. وهي الفكرة التي نجدها في ديانات أخرى (ظهور المسيح عند اليهود، المجيء الثاني ليسوع الناصري عند المسيحيين). وهذه الرمزية الشاملة يؤكد عليها مخرج العمل وكاتب نصه.
وأبرز ما في (متى نراك؟)هو اختصار المجتمع الشيعي بأبرز مزاياه العامة حيث اختُصر المجتمع بفئتين: هناك النساء والأطفال الذين ينتظرون عودة المهدي بإيمان. وهناك المقاوم الذي يعرف أنّه قد يلقاه في أي لحظة من لحظات الاستشهاد.
٥ - مسرحية ((ياقوت المحبّة))
نشر موقع (فرقة رسول الله للأناشيد الاسلامية) موضوعا عن مسرحية (ياقوت المحبة) التي عرضت بتاريخ ٢٠ رجب ١٤٢٨هـ وهي مسرحية تراجيدية هادفة، اختتمت (ياقوت المحبة) بها (صيف الياقوت) السابع لعام ٢٠٠٧.
وتعتبر هذه المسرحية هي الأولى من نوعها في مسرح (ياقوت المحبة) طيلة السنين الثمان الماضية.. فهي قصة بوليسية تعتمد على الحوار والملاحظات.
وقد حاولت المسرحية توضيح ضرورة الإيمان بسنة الاختلاف وضرورة احترام الرأي الآخر والمذهب الآخر.. وكيف ينبغي للإنسان ان يتعامل مع الناس.. ونبّهت مشاهد المسرحية إلى ضرورة توخي الاناة والحذر ممن يتربصون به الدوائر، والذين قد يكونون من أقرب الناس إليه ولكنهم في الحقيقة يحملون في قلوبهم نار البغض والحقد والضغينة..
وأثارت المسرحية قضية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وكيف ان العالم بأسره ينتظر قدومه وهو ممن أجمعت عليه جميع الاديان وإن اختلفت في تشخيصه..
٦ - مسرحية ((هبوط تيمورلنك))
نشر منتدى (مسرحيون) ضمن موضوع المسرح وقضايا العنف والسلام بتاريخ ١٤/١/٢٠٠٩ نقدا لنظرية الكل في الواحد التي تناولتها العروض المسرحية موضحا ان مسرحية (هبوط تيمورلنك) التي تبلور فكرة المخلّص ارتكازاً على (نظرية الكل في واحد) حيث المنظر لأناس محصورين في كهف معتم تحت الأرض تنبعث منه الغازات والأبخرة وهم ينتظرون المخلّص المجهول لينقذهم مكتفين بالنوم وبالغناء الناشد لتحقق أملهم (وهذا فيه تصوير للانتظار السلبي)
٧ - فلم ((٣١٣))
واخيرا ينبغي ان لا ننسى ما تناقلته المنتديات الإلكترونية من موضوعات حول الفلم الذي حمل اسم (٣١٣) نسبة إلى الاعتقاد بأن انصار الإمام أو جنوده هم بهذا العدد, إذ يحكي هذا الفلم عن بعض الشباب الذي يؤمنون بالإمام, لكنهم لا يؤمنون بأنه موجود.. أو حتى انه ولد, والفلم من انتاج شيعة بريطانيا, وممثلوه من الهند وباكستان وافغانستان.
ومن خلال ما تقدم من رصدنا يبدو أن فكرة المخلّص أو المنقذ فكرة كامنة في اللاوعي الإنساني ومستحكمة في ذاته بالملازمة وعدم الانفكاك، فهو وإن كابر في اللامبالاة فلا يلبث حتى يعود خاضعاً ملتمساً الخلاص في نكبته، لأنه مقتنع في داخله بوجود قوة قادرة على إنقاذه.