الإمام الهادي عليه السلام يمهد للغيبة
الحلقة الأولى
الشيخ معين دقيق
التمهيد للغيبة ظاهرة متقدمة في التراث الإسلامي ونستطيع ان نقول بأن التمهيد للإمام المهدي عليه السلام ولغيبته أساساً يعود إلى عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا ان هذه الظاهرة أخذت في الاتساع والوضوح تقريبا في عصر الإمام الرضا عليه السلام ثم في عصر الإمام الجواد عليه السلام ثم في عصر الإمام الهادي عليه السلام حيث بدت أكثر وضوحا وأشد نصوعاً من ذي قبل، ونحن نجد في ظاهرة التمهيد وجهين الوجه الأول هو التمهيد لميلاد الإمام المهدي عليه السلام، والوجه الثاني هو التمهيد للغيبة، علماً ان هناك تمهيدات لها من قبل الأنبياء والأولياء قبل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الإمام المهدي عليه السلام يتميز بخصائص ذاتية وظروف زمانية وأمور تخص أفعاله والأحداث التي تجري معه وان هذه الأمور اقتضت بمجموعها التمهيد له.
وبالنسبة للخصائص الذاتية فإنه يأتي على رأسها:
الخصوصية الأولى: مسألة طول العمر، فان الأمة تستطيع ان تتقبل بيسر وبسهولة إمامة إمام وبشكل طبيعي إذا كان عمره لا يخرج عن الحد المتعارف اما وقد اقتضت الحكمة الإلهية مسألة طول العمر فقد اقتضى الأمر التركيز الشديد والاهتمام والعناية العظمى بمسألة إمامة الإمام المهدي عليه السلام أكثر مما اقتضته في غيره من الائمة عليهم السلام.
الخصوصية الثانية: مسألة الإمامة المبكرة، فالإمامة المبكرة ظاهرة من الظواهر التي لا يعتقد الإنسان بها بسهولة وبسرعة، فاحتاجت هذه الظاهرة أيضاً إلى تمهيد.
الخصوصية الثالثة: هي في شخصية الإمام المهدي عليه السلام وفي أفعاله وهي ان الفعل الرئيسي للإمام المهدي عليه السلام والذي لأجله اعد هو انه عليه السلام سوف ينشر حكومة العدل في هذه الدنيا، ونشر حكومة العدل في الدنيا لها معارضون وخصوم، أي أن هناك حرباً تتمثل بوقوف الجبابرة والسلاطين وهذا يعني ان السلطة الظالمة والقوة السياسية الظالمة والغاشمة سوف تحارب هذا الإمام عليه السلام وهذه الحرب تقتضي تدابير خاصة لحفظ هذا الإمام عليه السلام من القتل.
وابتداءً نقول إن هناك آلية ترتبط بالعناية الإلهية, وهذه الآلية تجسدت في الإمام الهادي عليه السلام من دون ان يكون له يد في ذلك وهي مسألة الإمامة المبكرة حيث تجسدت فيه وفي والده الإمام الجواد عليه السلام، وهذه عناية إلهية في عصر الأئمة الذين اقتربوا من عصر ولادة الإمام عليه السلام.
انه يجب أن تعوّد الأمة على أمر، ولو أنها كانت قد نُبهت في حركة الأنبياء، منهم عيسى عليه السلام ويحيى عليه السلام، فبحسب بعض الإشارات في الروايات ان هذه النبوة المبكرة والمنصب المبكر لبعض الأنبياء عليهم السلام انما هو للفت نظر الأمة الإسلامية التي سوف تأتي في المستقبل بأنه لا مانع منه أو واقع, فإنّ عيسى عليه السلام قد تكلّم في المهد وكانت نبوته منذ تلك اللحظة.
ان ما كان من هذه السير المباركة هو تمهيد في سبيل تثبيت مسألة الإمامة المبكرة لمولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام وهذا التذكير بدأ من الأنبياء لكي لا تكون هناك ممانعة في الأمر في مسألة الإمام الحجة عليه السلام.
ومن الأمور الممهدة لولادة الحجة عليه السلام هي مسألة حسن اختيار الوالدة، فقبل زواج الإمام العسكري عليه السلام اتفقت الروايات على تدابير مهمة قام بها الإمام الهادي عليه السلام لاختيار المرأة والزوجة لان هذه المرأة (زوجة الإمام عليه السلام) التي سوف تكلف بهذه الوظيفة الربانية يجب ان تكون متميزة بمجموعة من الخصائص فليس الأمر من السهل لأنها ستكون والدة لولي الله الأعظم عليه السلام الذي ينشر العدل في هذه البسيطة، لذا فقد تدخلت العناية الإلهية في هذا الموضوع.
فبمقتضى التكليف الملقى على عاتق الإمام الهادي عليه السلام فإنه عليه السلام وقبيل تزويج ابنه العسكري عليه السلام أرسل خلف رجل معروف في سوق النخاسة وكان من المؤمنين ومن خواص الإمام عليه السلام ومن أحفاد أبي أيوب الأنصاري قدس سره وكان امتهن هذه المهنة عن آبائه وأجداده وأوعز إليه انه سوف تكلف بمهمة عظيمة وسوف تلقى عليك مسؤولية عظيمة, وفي أسلوب يدل على ارتباط أهل البيت عليهم السلام بالعناية الإلهية وبالغيب على ما وصل إليهم عن جدهم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ثم كتب له رسالة مغلفة باللغة الرومية، وأرسله إلى سوق النخاسين وقال له سوف تجد امرأة يظهر عليها العفاف وهي تمتنع ولا ترضى بأن يلمسها لامس، وما شابه ذلك، ولعفتها هذه فقد رغب بها الكثير من الناس ولكنها رفضت وقالت لسيدها الذي جلبها من بلاد الروم انه سوف يأتي الشخص المناسب ليشتريني، وقد تم ذلك فعلاً وعندئذ ابرز الرجل لها الكتاب وقرأته بالرومية فقالت له بعني إلى هذا الرجل, وفي قصة طويلة جدا وروايات متعددة لا إمكان لذكرها في هذا المجال.
ثمة واحدة من التدابير التي أخذها الإمام عليه السلام في محضر من السيدة حكيمة وابنه الإمام العسكري عليه السلام لأجل تجهيز هذه الأم التي تحمل هذا المولود الإلهي.
وسوف تأتي التتمة لمتابعة بقية التدابير التي مهد من خلالها الإمام الهادي عليه السلام لغيبة ولده المهدي عليه السلام.