رصدنا
صفحة الرصد المهدوي تهتم بتوثيق ونشر كل ما يتعلق بالقضية المهدوية من أخبار وموضوعات في المواقع الالكترونية والمنتديات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات والإذاعات وتقويمها ورد الشبهات التي فيها إن كانت تتطلب ذلك خصوصا الموضوعات المنقولة من المواقع المخالفة للقضية المهدوية بهدف إطلاع القارئ على ما يدور في تلك المواقع ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكذلك تحديد الايجابيات والسلبيات في كيفية تناول القضية المهدوية في تلك الوسائل والتواصل معها في سبيل تطوير الايجابيات ومعالجة السلبيات.
هيأة التحرير
من انتظار غودو الى انتظار فرج الله القهار
يعد الفن الروائي من أشهر انواع الأدب النثري وهذا الفن لم يخل من الاشارة الى قضية المنقذ والمخلّص سواء كان بشكل مباشر او من خلال الايحاءات والاشارات لتلك القضية من قريب او من بعيد ...ومن هنا كان عنوان رصدنا لهذا العدد يجمع بين روايتين كثر الحديث عنهما الاولى تحت عنوان (في انتظار غودو) للكاتب الإيرلندي صموئيل بيكت والثانية (في انتظار فرج الله القهار) للكاتب العراقي سعدي المالح وكل الروايتين تدور احداثها حول انتظار شخصية معينة, الاّ ان الاولى لاتبدو معالمها واضحة بخلاف الثانية التي هي محددة المعالم والهوية وهذا ما سنقف عليه أثناء متابعتنا للرصد.
<في انتظار غودو> رواية كتبها صموئيل بيكت في الفترة ما بين تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٤٩ وكانون الثاني (يناير) ١٩٥٠ وترجمت فيما بعد إلى خمسين لغة، وعندما ظهرت للمرة الأولى عام ١٩٥٢ بيع منها في فرنسا فقط ما يقارب مليون نسخة، ولا تزال المسرحية إلى يومنا هذا، تفسّر بأقاويل عديدة ومختلفة, وكل حسب خلفيته العقائدية والفكرية وقد أعجب بها نجوم هوليوود كما سحر بها نزلاء السجون. وعندما كتب بيكت هذه المسرحية فكر أن يكون عنوانها <انتظار>، لصرف انتباه القارئ عن شخصية غودو، لينشغل بموضوع الانتظار، آملا أن لا ينهمك القارئ في التركيز على أية شخصية في المسرحية ويهمل في الوقت نفسه التفكير في كيفية أن وجود البشرية كله هو عبارة عن انتظار. وأصبحت شخصية غودو بمثابة كلمة سر يتبادلها الناس فيما بينهم للتعبير عن حالات كثيرة مثل <والآن، هل ستأتي أم أنك تنتظر غودو؟ (وعندما سئل بيكت) من هو غودو؟(،فأجاب) لا اعرف عن هذه المسرحية أكثر مما يعرف هذا أو ذاك من الذين يقرأون المسرحية بيقظة وانتباه؛ لا أعرف عن الشخصيات أكثر مما تقوله هي، أكثر مما تفعله وماذا حدث لها ومعها؛ لا أعرف من هو غودو ومن يكون؛ لا أعرف حتى إذا كان موجودا أم غير موجود.
أحداث الرواية:
المسرحية مكونة من فصلين متماثلين ومكررّين يحدثان في يومين متعاقبين. في شارع ريفي وبالقرب من شجرة جرداء حيث يجلس مشرّدان أحدهما يدعى فلاديمير (ديدي) والآخر إيستراغون (غوغو) بإنتظار شخص يدعى غودو. إنهما لم يريانه من قبل وحتى لو رأياه فلن يعرفانه، ومع ذلك فهما يعتقدان أنه هو من رتبّ لهما هذا اللقاء وفي هذا المكان!.في منتصف النهار يصل شخصان غريبا الأطوار، سيد وعبده، الأول يدعى <بوزو> والآخر <لاكي>. يظن المشردان في البدء أن السيد <بوزو هو غودو>، إلا أن ذلك الظن يتبدد حالما يخبرهما أنه صاحب هذه الأرض التي يقفان عليها الآن.يسحب السيد خادمه لاكي بواسطة حبل ُعّلق برقبته آمراً إياه أن يجلب له الطعام. يُحضر لاكي له دجاجة فيبدأ بوزو بإلتهام الدجاجة ورمي عظامها إلى لاكي. بعدها يخبرهما أنه ذاهب إلى السوق لبيع خادمه لاكي ثم يغادران.يصل صبي في آخر النهار ويخبرهما أن السيد غودو لم يستطع الحضور هذا المساء، إلا أنه سيحضر في الغد حتماً.في صباح اليوم التالي يعود بوزو ولاكي ثانية وقد أصبح الأول ضريراً والثاني أخرسا. السيد يصبح عبداً والعبد سيداً!. (تبادل أدوار)..يظهر الصبي ثانية في المساء مكرراً عليهما جملته السابقة ذاتها، شاجباً مايقولانه أنه جاء إلى هنا في الأمس أو كان إلتقى بهما من قبل. في النهاية يقطع المشردان عهداًعلى نفسيهما في المغادرة والعودة ثانية لإنتظار (غودو).
هذا ما نقله المقال المنشور بتاريخ ١٦/ ١٢/ ٢٠٠٦ في مجلة (أدب وفن) وهي مجلة الكترونية تعنى بالكتابات الادبية.
ورصدنا بعد متابعتها لكثير من المقالات التي كتبت حول رواية في (انتظار غودو) وجدت ان الحدث الاهم الذي تدور حوله هو الانتظار المجرد عن العمل اي المنتظر ينتظر المنقذ فقط دون ان يعمل شيأ آخر ليحيي هذا الانتظار ويقرب مجيئه ولذلك فأن (بيكت) يحاول هنا أن يوصل خطاباً مفاده إن التفكير في الأسئلة التي يصعب الأجابة عنها والتي تبرز كمحّصلة لفعل الأنتظار يُنتج الألم والقلق وتعطيل فعالية الأنسان وتحطيمه من الداخل، وإن شخصياته ينبغي عليها أن تواصل إنتظارها للشيء الذي لن يأتِ مطلقاً، إلا أنها مع ذلك تظل تنتظر وتنتظر حتى اللحظة الأخيرة للسقوط في هوة الشيخوخة والخرف، المرحلة التي تقزّم تلك الشخصيات وتضاعف من بؤسها وعجزها وتبعيتها في الآخِر.
وهذا خلاف ما نعتقده نحن بالمخلص المنتظر الذي وان طال انتظاره فهو آت وذلك لأننا نؤمن بالله سبحانه وتعالى الذي وعد بمجيئه وهذا الايمان هو الطاقة التي تبعث على الانتظار والاستمرار بانتظاره وتبث الأمل لا اليأس نحو العمل وتغيير مايمكن تغييره وهذا ما لم يكن موجودا لدى صموئيل بيكت في أحداث روايته ، على خلاف مما هو موجود في رواية (في انتظار فرج الله القهار) التي صدرت بطبعتين، الأولى في الإمارات العربية المتحدة عام ٢٠٠٢، والثانية عن دار الفارابي ببيروت عام ٢٠٠٥.
(في انتظار فرج الله القهار) لـ (سعدي المالح) عنوانها يحيل القارئ لا اراديا الى عقيدة الانتظار او (المنقذ) او (المخلّص) التى استقصاها الدكتور فالح مهدي فوجدها موجودة في (٣٥) ديانة من ضمنها الديانات التوحيدية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودي). ولذلك فان الكاتب يضفي شيئاً من الرمزية على مجريات روايته ويضع شخصية فرج الله القهار كمنقذ ومخلص للمحتاجين ، وما يهمنا أن الرواية تجعلنا منذ عنوانها في حال التشوق والأمل: (في انتظار فرج الله القهار) دفعة واحدة! أي ليس كما هو الحال في رواية (بانتظار غودو)، ففي انتظار(فرج الله) بل و(القهار) أيضا. نجد فرج الله هذا – كما تقدمه الرواية – هو المنقذ والمخلص و(المنتقم الجبار) بالمعنى الغيبي. ونجد فيها نصوصاً تاريخية نقلها الكاتب بأمانة عن ظروف ولادة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام والتقاء الإسلام والمسيحية.
هذا ما اقتبسته (رصدنا) من مقالين أحدهما نشرته جريدة <طريق الشعب> في ملحقها ( الطريق الثقافي) العدد ٢٦ - الثلاثاء ٥ كانون الثاني ٢٠١٠ تحت عنوان رواية المهجرالعراقي قبيل ٢٠٠٣ سعدي المالح نموذجا، والثاني نشرته جريدة (الصوت الآخر) الصادرة في أربيل في عددها ٢٠٣ في ٢٣ تموز ٢٠٠٨ تحت عنوان في انتظار فرج الله القهار... سعدي المالح وروايته.
ورصدنا لها وقفة مع تعبير (المنتقم الجبار) لانها قد توحي للقارئ بأن المهدي المنتظر عليه السلام جاء لينتقم وهذا تعبير فيه إيحاء على كثرة سفك الدماء وهذا مايحتاج الى توضيح لانه عليه السلام لن ينتقم لأجل الانتقام وانما ليعيد الامور الى نصابها الحقيقي ويبسط العدل ويرفع الجور.
أحداث الرواية
تبدأ أحداث الرواية بتيه فتاة صغيرة في واد مقفر بينما كانت تتبع أمها الذاهبة إلى المدينة لتبيع بضاعتها، كان ذلك بعد الحرب العالمية الأولى بسنوات قليلة، وخلال خوفها وبكائها تظهر لها شمعة تقترب منها ويظهر من خلال لهب الشمعة وجه اسمر نوراني قال لها <لا تخافي، أنا أسهر عليك وأحميك)، تنام الطفلة. وفي اليوم الثاني تمر قافلة بالوادي وتأخذ الطفلة معها، لكن الطفلة تصاب بالخرس طوال السنة التي بقيت فيها في قرية تسكنها تلك القافلة، ثم يعثر عليها والدها وتتحدث الطفلة معه فيعتبر أهل القرية أن معجزة قد حدثت. تكبر الطفلة وتتزوج من رجل كان قد تعرض لحادثة في مقتبل شبابه، لكن الشمعة ظهرت له أيضاً، فأنقذت حياته بعد أن اشترى له أبوه خشب التابوت، وتظهر له الشمعة مرة ثانية حين التقاه خوري القرية وطلب منه أن يعيد الخشب إلى النجار، لأن هذا الخشب هو خشب تابوته الذي اشتراه له والده، لكنه لم يفعل ذلك لأن الشمعة ظهرت له، وفي اليوم نفسه يموت خوري القرية فيطلب منه أبوه أن يعيد الخشب إلى النجار ليصنع منه تابوتا للخوري.. المرة الرابعة التي تظهر فيها الشمعة التي يخرج منها الوجه النوراني كانت في الكنيسة التي ذهبت إليها الطفلة التي أصبحت عجوزاً وكان الوجه الاسمر النوراني قد أخبرها هذه المرة عن شخصيته كما فعل مع زوجها حين التقى الخوري.. قال لها (أنا فرج الله، اطلبيني كلما كنت في ضيق، ابنك يعرف مكان إقامتي)، وتموت المرأة العجوز حالما تصل إلى البيت.. لكنها قبل موتها تسلم ابنتيها مظروفاً طالبة منهما أن ترسلا هذا المظروف إلى أخيهما الذي يجب أن يسلمه إلى فرج الله القهار، فهو يعرف أين يجده.. إن مثل هذه الكرامات ليست غريبة على موروثنا الشعبي سواء أكان إسلامياً أو مسيحياً.
هذا ماذكره المقال المنشور بتاريخ فبراير ٢٠٠٣ العدد ٨٨٤٤ من <جريدة الشرق الاوسط> تحت عنوان التيه في انتظار فرج الله القهار.
ومن خلال ماتقدم من عرض موجز لأحداث الروايتين وما كتب حولهما من نقد وايضاح لأحداثهما تجد (رصدنا) ان قضية المخلص المنتظر استحوذت على اهتمام الجميع, بين رافض لها وآخر مؤمن بها فعبّر كل حسب معتقداته حولها بما لديه من امكانات وافكار.ـ
ويمكن القول ان هذه القضية فطرية لدى الوجود البشري مهما حاول البعض انكارها ومحاولة إظهارها بالشكل البائس واليائس الا ان ذاته تبقى مؤمنة بذلك النور الذي لابد ان يبدد الظلام مهما طال في حياة الناس في يوم ستشرق فيه الأرض بنور ربها.