مثلث برمودا بين الواقع والخرافة
مثلث برمودا منطقة جغرافية على شكل مثلث متساوي الاضلاع (نحو ١٥٠٠ كيلو مترا لكل ضلع) ومساحته حوالي (١٠١) مليون كيلومترا مربعا, يقع في المحيط الاطلسي بين برمودا وبورتوريكو, وفوت لودرديل (فلوريدا), وهي النقطة الاعمق في المحيط الاطلسي.
وقد اشتهرت هذه المنطقة بسبب ما نشره الكتاب في منتصف القرن العشرين من مقالات عن مخاطر مزعومة في المنطقة. على الرغم من ان الاحصاءات لا تشير الى ان حالات اختفاء للسفن والطائرات في هذا المثلث هي اكثر من المناطق الاخرى.
وقد استعمل اصطلاح-مثلث برمودا-لاول مرة في مقالة كتبها (فينست غاديز) لمجلة المركب التجاري Argosy Magazine في عام ١٩٦٤, وادعى غاديز في هذه المقالة بأن عددا من السفن والطائرات اختفت بدون تفسير في هذا البحر الغريب.
ولم يكن غاديز الاول الذي تحدث عن هذا الامر. ففي بدايات ١٩٥٢ ذكر (جورج ساندز) في مقالة له في مجلة (المصير date magazine ) ما بدا بأن عدداً كبيراً جدا من الحوادث الغريبة في تلك المنطقة.
وفي عام ١٩٦٩ ألف (جون والامس سبينسر) كتابا اسماه (عالم نسيان المفقودين) تكلم من خلاله بشكل محدد عن هذا المثلث.
وبعد سنتين صدر برنامج وثائقي عن الموضوع, بعنوان (مثلث الشيطان), وكتاب (مثلث برمودا) (١٩٧٤) وصنف بأنه الاكثر مبيعا. وقد حفرت هذه الاعمال اسطورة (بحر الشؤم) ضمن الثقافة الشعبية العالمية, والامر الذي لم يعد خافيا هو كون هذا اللغز كان دعاية أكثر من كونه حقيقة. وقد اثير بهدف بيع الكتب والترويج لها.. حيث كان البيع يزداد مع ازدياد غرابة طرح القصة او التعليل, كما ذكر مثلا ان جنسا فضائيا ذكيا متقدماً تقنيا في الفضاء او تحت البحر كان السبب في اختفاء السفن او الطائرات هناك.
محاولة لحل اللغز
في عام ١٩٧٥ قام (لاري كونسيه) عامل مكتبة في جامعة ولاية أريزونا-بالتحري حول هذه الادعاءات التي ذكرت في المقالات ووسائل الاعلام والكتب. واستعان لذلك بوثائق وشهود عيان. وقد تم له بالبحث والتنقيب بعناية في السجلات التي اهملها الآخرون, فوجد ان معظم الحوادث التي وصفت بانها غريبة تعود الى ان المؤلفين لا يذكرون الحقيقة كما هي, ففي الوقت الذي يذكر فيه المؤلفون ان البحر كان هادئا وقت الاختفاء..فأن سجلات خفر السواحل تشير الى عواصف عاتية كانت تضرب منطقة الحادثة..
وعندما يذكر البعض ان السفن اختفت بصورة غامضة ولم تظهر, فأن الحقيقة تقول انه وجدت بقايا تلك السفن وتم التعرف على سبب غرقها. والتقرير الاكثر اهمية في ذلك هو تقرير احصائيات شركة (لويدز لندن) لسجلات الحوادث والذي نشر من قبل محرر (المصير) في ١٩٧٥-حيث ظهر ان المثلث لا يمثل خطرا.. وقد اكدت ذلك سجلات خفر السواحل الامريكية.. وانه من ذلك الوقت لم يظهر دليل جديد يدحض تلك الاحصائيات.
وبهذا التقرير اختفى مثلث برمودا, بالطريقة نفسها التي اختفى بها العديد من ضحاياه المفترضين-ولكنه لم يختف من الكتب ومن افلام هوليود التي وجدت فيه مصدرا لزيادة دخلها. ومن قصص هوليود وافلامها في هذا المجال فلم (مثلث برمودا) عام ١٩٧٩ لمخرجه (ريتشارد فريدنبيرغ) التي يجسد قصة اختفاء خمس قاذفات للبحرية الامركية.
وعند عرض الحقائق كاملة تصبح قصة هذا الفلم غير مجدية سينمائيا, فالحقيقة تقول ان جميع افراد طاقم هذه القاذفات الخمس كانوا تحت التدريب, اي انهم عديمو الخبرة باستثناء قائد السرب (م. اولتشارلز تايلور) ولم يكن في قمة ادائه ذلك اليوم حيث كان يعاني من الصداع بسبب احتسائه الكحول. اما الطائرة (Martin Mariner) فقد انفجرت في الجو بعد ٢٣ ثانية من اقلاعها.. وقد شوهد الانفجار في نفس القاعدة.. وكان بسبب عيوب في خزان الوقود.
والملاحظ ان السجلات الرسمية لم تظهر تحطم الطائرات الخمس.. وان الحكومة الامريكية اجبرت شركة الانقاذ الاسبانية على التعتيم على نتائج التحقيق. كذلك احاط الغموض حادث اختفاء طائرتين امريكيتين من طراز كي سي ١٣٥٠, ولكن بعد عدة ايام تم العثور على حطامهما متناثرا في هذه المنطقة.
توظيف المثلث لاغراض سياسية
_ مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥, بدأت الولايات المتحدة الامريكية بدخول الحرب الباردة, والتي كان من طرقها واساليبها تمويل الحركات التمردية. وبث الشائعات حول قوتها ووصولها الى القمر, واظهار القوى الخارقة لبعض الاشخاص من التخاطر عن بعد (الباراسايكولوجي) وتكنولوجيا الاطباق الطائرة.
ويعتقد ان مثلث برمودا كان قصة مفتعلة, وكانت احدى وسائل الدفاع الاستراتيجي للحدود الامريكية, وخاصة ان المثلث يفصل كوبا عن روسيا. وقد هيأت الجهات المختصة بذلك لاطلاق عدة تفسيرات مدعاة لاسباب الاختفاء المفتعل منها:
-نظرية الاطباق الطائرة وظهورها في المنطقة, ونظرية الزلازل. او الجذب المغناطيسي.
وآخرها كانت نظرية تثير الاستغراب وهي نظرية (المسيخ الدجال): اي ان هناك قوة خارقة في مثلث برمودا, لا يستبعد ارتباطها بقدرات المسيخ الدجال, بمعنى ان المسيخ الدجال قد اتخذ من برمودا قاعدة انطلاق له.
ومن الغريب-بالمناسبة-ان دعاية مثلث برمودا, التي نشطت في فترة الستينات والسبعينات والثمانيات والى اواخر التسعينات قد اختفت فجأة ولم يعد لها اثر وكأنها لم تكن. ويعزي محللون السبب في ذلك الى تطور التقنيات الاستخباراتية والتي من الممكن ان تفضح المصدر الحقيقي لهذه الاكذوبة.
تسجيل موقف وبيان حقيقة
بعد هذا العرض الذي اكتنف الكثير من المعلومات حول هذا المثلث اللغز يتبين لنا ان ما كتب من بعض الكتاب عن ان هذا المثلث له ارتباط وثيق بالامام المهدي عليه السلام وان مكمن اللغز فيه هو الوجود المبارك له عليه السلام. اذ حاول بعض الكتاب ربط ما نقل من اخبار الجزيرة الخضراء وما حدث من احداث مفتعلة في مثلث برمودا. الا ان التحقيق والانصاف يقتضيان ان ليس هناك ترابط علمي وشرعي بين الجزيرة وهذا المثلث, بغض النظر عن بحث اثبات او عدم اثبات خبر الجزيرة وغيرها. الا انه لا يحتمل فضلا عن ان يقطع-ان الجزيرة هي مثلث برمودا.
وخلاصة ما يقال ان لا ربط لمثلث برمودا بقضية الامام ا لمهدي عليه السلام.
نعم اذا امكن اثبات الاحداث التي وقعت وتعذر اثبات سببها فان ذلك خاضع لنظام السببية, والمشيئة الالهية المتعلقة بايجاد حالة العجز عند البشر ولو في محور وجانب, حتى يلتفت الى عنصر الغيب الذي يحتل محوره في زماننا الامام الغائب عليه السلام.