المهدوية بنظرة جديدة
السيد جعفر مرتضى العاملي
روايات المهدي عليه السلام متواترة إلا اننا هنا نريد ان نبذل محاولة جديدة لاثبات قضية المهدي عليه السلام ومن طريق آخر.
إن من يراجع كتب الحديث والرواية لدى مختلف الطوائف الإسلامية يخرج بحقيقة لا تقبل الشك، وهي: أن الأحاديث الدالة على خروج الإمام المهدي من آل محمدK في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كثيرة جداً، تفوق حد الحصر..
ويكفي أن نذكر: أن البعض (وهو السيد الصدر في كتابه: المهدي) قد أحصى أربع مئة حديث وردت عن النبيN من طرق أهل السنة فقط..
بل لقد أحصى منتخب الأثر أكثر من (٦٣٥٠) حديثاً من طرق الشيعة وغيرهم تدل على ذلك أيضاً.. وقد رواها العشرات من الصحابة، والتابعين وغيرهم، ممن اختلفت أعمارهم، وثقافاتهم، واتجاهاتهم السياسية، والمذهبية، وغير ذلك.. الأمر.. الذي لا يمكن معه اجتماعهم واتفاقهم على افتعال أمر كهذا.. ولا سيما إذا كان هذا الأمر يضر بالمصالح السياسية والمذهبية للكثيرين منهم..
وعلى كل حال.. فإن كثيراً من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع لها سند صحيح أو حسن لدى جميع الفرق والمذاهب.. ومهما أمكن النقاش في أسانيد كثير منها، فإنه يبقى الكثير الطيب، الذي لا مجال للنقاش فيه..
ولو تجاوزنا ذلك.. فإن هذا العدد الهائل من الأحاديث ليس فقط يعتبر تواتراً مفيداً للقطع، وإنما هو تواترات، تجمعت وتراكمت، حتى لا تبقي عذراً لمعتذر، ولا حيلة لمتطلّب حيلة..
وقد ذكر ابن خلدون ثمانية وثلاثين حديثاً عن عدد كبير من الصحابة، وحاول المناقشة في أسانيدها..
وقد فاته أن هذه المناقشات لا تضر ما دام هذا العدد الذي ذكره، هو نفسه يفوق حدّ التواتر. فضلاً عما ذكره غيره.
وإن الروايات وإن كان فيها الكفاية، بل وفوق الكفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، إلا أننا نريد هنا أن نبذل محاولة جديدة لإثبات هذه القضية من طريق آخر..
فنقول:إن من يلاحظ التاريخ الإسلامي يجد: أن هذه القضية لم تزل مسلّمة بين المسلمين، من عصر الصحابة والتابعين، والذين من بعدهم عبر العصور، و كان الكثيرون يدّعون، أو تدّعى لهم المهدية فتتلقى الأمة هذه الدعوات بالقبول، وإذا ما نازع منازع، فإنما ينازع في انطباق المهدي عليه السلام الموعود على هذا أو ذاك، لا في أصل المهدية..
ولعل أول من حاول التشكيك بأخبار المهدي - فيما أعلم - هو ابن خلدون، المتوفى سنة ٨٠٨هـ. وتبعه على ذلك بعض من راق له شذوذ كهذا، من أمثال أحمد أمين المصري، وسعد محمد حسن؛ بتشجيع من علماء الاستشراق الحاقدين على الإسلام، والطامعين في المسلمين..
نعم.. ربما ينقل عن بعض فرق الخوارج، وبعض فرق الزيدية: أنهم لا يعتقدون بالمهدية..
ولكنه نقل لا يعتمد على أساس، ولا على ركن وثيق, لأن الظاهر أنهم قد استفادوا ذلك من عدم التصريح بهذا الأمر من قبل تلك الفرق، لا من التصريح بعدمه وإنكاره رأساً..