بحــوث ومقـالات للرد على ما يثار من تشكيكات وشبهات في العقيدة المهدوية من على شاشات الفضائيات المأجورة / فضائية (صفا) نموذجاً.
تحت الأضواء
لماذا يسكت العلماء عنــــدما يتحدث الجهلاء؟
الشيخ حميد الوائلي
يحدد القرآن الكريم للمتأمل فيه مسارات فكرية ومعرفية وروحية للتعامل مع القضايا ومن بين اهم المسارات التي يحددها لنا القرآن الكريم في التعامل الفكري مع الآخرين, وفي كيفية التواصل العلمي وانتهاج منهج الحجة والاحتجاج هو منهج للتعامل مع الجاهلين.
وبطبيعة الحال فإن القرآن الكريم عندما يطرح منهجاً معيناً فانه لا يطرح ذلك المنهج لمن يؤمن به طريق هداية لنيل الصواب فحسب, وانما يطرحه على اساس انه منهج انساني اذا تم سلوكه من قبل البشر فانهم سيرسون على ساحل يؤمن لهم نتائج مقبولة ترتضيها الاطراف المتنازعة.
قال تعالى: ((وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ))
وقال تعالى: ((تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ))
وقال تعالى: ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)).
فتجد القرآن الكريم ومن خلال هذه النماذج القرآنية الثلاثة يركز على اسلوب حواري مع الطرف المقابل على شكل مراحل متعددة بهدف اقناعه إلى أن يصل إلى مرحلة من المراحل يتنزل فيه عن معتقده ويفرض نفسه مع الآخر في احتمال الضلال وليس ذلك إلا من اجل محاولة اقناع الآخر بهدف هديه إلى طريق الاستقامة وسبيل الحق.
ولكننا نجد القرآن الكريم الذي يجعل منهج اللين في الخطاب ومنهج الكلمة السواء في الحوار, يتخذ سبيلاً آخراً مع الجاهلين.
إذ يقول تعالى: ((وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)), فيحدد لنا القرآن الكريم سبيلاً جديداً للخطاب مع الجاهلين يختلف عن السبل التي طرحت مسبقا.
اذ نجد هذه الآية القرآنية تفرض لنا جواً وتبين لنا سبيلاً يمكن ان نقول انه يشكل طرف النقيض أو الحد المقابل لتلك الآيات الاول.
فاحتمال هداية الجاهلين كبير بل قد لا تصل النوبة في هدايتهم إلى فرض التنازل عن العقيدة, فقد تكون هدايتهم بطريق اكثر اختصاراً , اذ بمجرد ان نبين الحقائق يقتنع بها الجاهلون.
فما هو السر فيما ضربه لنا القرآن في انتهاج هذا السبيل الجديد في الحوار مع الجاهلية وهل هناك انواع متعددة من الجهل؟.
الظاهر من الآية الكريمة انها تحدد لنا هذا السبيل مع نموذج معين من الجاهلين, وهو ذلك النموذج المعاند للحق حتى لو انكشفت له حقانيته, وهو ما يعبر عنه قرآنيا بقوله تعالى:))َوجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)).
فهذا النموذج الظالم للحقيقة والمتعالي على الواقع يفرض نفسه ومن خلفية الجهل انه اعلى من نور الحقيقة, وان بيده الواقع رغم اذعانه ببطلان ما يحمل وفساد ما يعتقد.
وبدراسة عابرة لمصاديق هذا النموذج قرآنيا تجد الكثير منها كفرعون وهامان ونمرود وبن باعورا ومشركي قريش.
وبالتأكيد أن القرآن لا يضرب هذا السبيل نموذجا لمن سلف دون من يتأسى بهم من الخلف.
وهذا ما نجده واضحاً من خلال بعض النماذج التي تعرضها لنا بعض الفضائيات هذه الأيام.
فالمتابع لهذه النماذج المخنثة فكرياً والشاذة سلوكياً يجد عظمة القرآن الكريم في طرحه لهذا السبيل في الحوار مع الجاهلين, فإننا نسمع اصواتا كثيرة من المؤمنين يعتبون فيها على علمائهم بعتب جميل, هو لماذا يكون دأبهم السكوت عن الجاهلين وكأن لا صوت لهم ولا خطاب يصدر منهم, ولكننا نجد القرآن الكريم يعكس لنا هذه الحالة في التعامل مع النموذج الجاهلي, فانت تلاحظ ما يعرضه هؤلاء الجاهلون وعلى سبيل المثال نأخذ نموذجا واحدا ليثبت من خلاله فكرة المنهج القرآني في التعامل مع الجاهلين وهو ما صدر عن بعض ما يسمون بمشايخ قناة صفا, من أن المهدي عليه السلام خرافة.
فهذا النموذج يتحدث عن المهدي عليه السلام ويقول انه نظرية اجتمعت عليها الاديان الالهية والبشرية.
ولكنه عندما يأتي ليتحدث عن مهدي الشيعة يقول انه خرافة.!
فتجد من خلال حديثه انه يؤمن باصل الفكرة وانها موجودة عند الاديان البشرية فضلا عن الالهية منها, ولكنه ما أن يصل إلى عقيدة اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام إلا وتراه يحيد عن منهجه وعن عقيدته.
فتجد شرر الاستكبار والظلم وجحود الحقيقة يتطاير من عينيه وتتقاذفك الالفاظ النابية التي لا ينبغي ان تصدر ممن هو اقل منه فضلا عنه, ليس ذلك إلا لاجل ان يصل إلى غرض واحد وهو ان يستكبر ويعلو على تلك الحقيقة وهي حقيقة ان مذهب اهل البيت عليهم السلام قائم على اساس حق متين متصل بالرسول وبالله سبحانه وتعالى من خلال الائمة الاثني عشر المتمثل ببقيتهم مهدي آل محمد عليه السلام.
هذا النموذج الذي يعكس لك تلك الحقيقة القرآنية من الاستكبار والعلو مقابل الحقيقة الثابتة لمهدي آل محمد عليه السلام ترى هل يقتنع لو قدمت له ادلة على ولادة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته وطول عمره ام انه سيشكك كما هو الواضح من خلال المتابعة لما يعرضه هؤلاء ولما يطرح من قبل اتباع اهل البيت عليهم السلام من ادلة في مقابل شبهاتهم.
انني وجدت من الامور الواضحة التي لا شك فيها ان هؤلاء لو قدمت لهم العشرات بل المئات من الادلة الصحيحة على عقيدة الشيعة الامامية بالمهدي المنتظر عليه السلام لما قبلوها ولرفضوها جملة وتفصيلا حتى لو كانت الادلة صحيحة وتعتمد القرآن والسنة في اثبات مضامينها.
فهؤلاء لابد من أن نسلك معهم طريق القرآن الذي انتهجه لنا مع الجاهلين, لذلك وجدنا ان سيرة علمائنا بل سيرة ائمتنا عليهم السلام مع الجاهلين هي ان يقولوا لهم سلاما سلاما, لان هؤلاء الجاهلين مهما قدمت لهم ومهما بينت لهم فإن نور الحقيقة لا يصل قلوبهم, وحتى لو وصلها سيجحدون بها لان هؤلاء شربوا من نفس الكأس التي شرب منها اسلافهم, فالإنكار للحقائق التي يؤمن بها اتباع اهل البيت عليهم السلام ليس مقتصرا على مهدوية الحجة بن الحسن عليه السلام بل يتعدى ذلك إلى امامة الائمة عليهم السلام وصفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصمته والكثير من افعاله، لا بل يرتقي إلى صفات الله والتوحيد والربوبية, فهؤلاء بمقدار ما ينزه اتباع اهل البيت عليهم السلام رب العزة والجلالة عن المثل والشبه والجسم, يشبهون ويجسمون ويضعون الامثال.
وبمقدار ما يصف اتباع اهل البيت عليهم السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعصمة والطهارة والرفعة, ينزله هؤلاء إلى ادنى المراتب التي يستحي ان يتصف بها ادون الاشخاص منزلة منهم, وكذلك في بقية الائمة عليهم السلام إلى ان تصل النوبة إلى مهدي آل محمد عليه السلام.
فهم النقيض شئنا- ام ابينا- لاتباع هذا المذهب المبارك وبمقدار تمسكنا بحقنا وعقيدتنا والحقيقة التي نحن عليها يتمسكون بباطلهم وضلالهم وعلوهم واستكبارهم, لا لشيء إلا لانهم نقيض.
من هنا يتجلى المنهج القرآني واضحاً في التعامل مع هؤلاء.
ولكن ينبغي التنبيه إلى أن ذلك لا يعني اننا لا نستجلي الحقائق ونبينها بشكل يتناسب مع دفع الشبهة التي تثار منهم كما يفعل المدافعون عن هذا المذهب الحق دون استثناء.
فانتهاج الطريق القرآني مع الجاهلين منهج قرآني واضح , وفي نفس الوقت لا يمنع من ان نبرز حقائقنا وعقائدنا حتى لو كان بشكل يتناسب ودفع ما يثار من شبهات هؤلاء الاشرار.