بحــوث ومقـالات للرد على ما يثار من تشكيكات وشبهات في العقيدة المهدوية من على شاشات الفضائيات المأجورة / فضائية (صفا) نموذجاً
تحت الأضواء
إذا خرج المهدي عليه السلام هل سيهدم الكعبة؟
الشيخ حميد الوائلي
تضطرنا في بعض الأحيان افكار سطحية تنبع من جهل مركب بالحقائق إلى الحديث في امور ينبغي ألا يكون فيها حديث, ومن بين هذه الافكار الحديث الذي تتداوله بعض الفضائيات ذات النفس التشكيكي, والتي لا تنفك عن ايجاد الفوارق.
حيث تجتاح هذه الأيام الأمة الإسلامية هذه الموجة التخريبية من خلال الضخ المالي الكبير الذي يتمتع به اصحاب هذه الفضائيات إذ تتفاجأ وأنت تتابع ما يمكن ان تلتمس فيه النفع لتصم سمعك عبارة تشم من ورائها ريحاً خبيثة تهدف إلى الهدم بدل البناء.
لقد فاجأتني عبارة سمعتها من بعض تجار الفضائيات, ولا أقول علماؤها (بأن المهدي عليه السلام سيهدم الكعبة), وهذه العبارة على قصرها فإنها تحمل من المعاني والدلالات الكثير والكبير, فاحببت ان اقف عندها متفحصاً حقيقة الحال ونتاج الادلة.
وينبغي قبل كل شيء ان نلتفت إلى قضية في غاية الاهمية وهي قضية القداسة وكيف تُكتسب, وما هو الميزان في اكتسابها, فهل المقدس والذي لا يمكن تخطيه ولابد من الانحناء أمامه تقديسا هو ما يأمر به الله سبحانه وتعالى, أو ما ينسبه لنفسه ام هو شيء غير ذلك؟.
إذ لابد ان نعرف المقدس وكيف ينشأ, ومن اين يكتسب قداسته, وإلا فالكثير من الاشياء في عالمنا اليوم تكتسب انواعاً من القداسات بنظر البعض وهي ليست مقدسة بل وليس لها اية قيمة بنظر آخرين.
وحيث أن الحديث عن مسألة اسلامية, أو بالاحرى الحديث عن حدث يصدر من شخصية اسلامية تجاه مكان اسلامي له في نفوس المسلمين من القداسة والاحترام ما لا يخفى. والحالة هذه فلابد ان يكون الفيصل في تحديد القداسات هو الشريعة الاسلامية, لا غير.
لا يختلف أي من المسلمين على قداسة الكعبة وشرافتها, ليس ذلك إلا بانتسابها إلى الله سبحانه وتعالى وجعلها رمزاً تسكن اليه نفوس المؤمنين كما تسكن نفوسهم وتستقر عندما يأوون إلى بيوتهم.
فيا ترى هل المقدس في الكعبة هي الاحجار التي نشاهدها اليوم أو ان المقدس فيها هو هذه المساحة المحددة فقط, أو ان المقدس هو رمز معين في نقطة جغرافية محددة بحد خاضع للزيادة والنقصان وباحجار يخضعها الزمن قهراً للتجديد والتبديل, فما هو المقدس في الكعبة, هل هي احجارها؟ ام مساحتها؟ ام رمزيتها ومكانتها؟.
لا يمكن ان يقول قائل ان المقدس في الكعبة هو تلك الاحجار التي جاءت, اما في زمن بنائها على عهد ابراهيم عليه السلام, أو حين جاء الاسلام وجعل الكعبة قبلة!.
لاننا لا نشك في ان الكعبة وبسبب ظروف وازمان قد تعرضت لتغيير وتبديل فلا نجزم حينئذ ان الاحجار التي بنى بها إبراهيم عليه السلام الكعبة هي نفسها الموجودة في زماننا الآن, بل ولا نجزم ان نفس الاحجار التي لامسها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هي نفسها التي نشاهدها اليوم, إذ ان الكعبة قد خضعت للتبديل والتعمير والتطوير والازالة وعلى هذا الاساس, فلا يمكن القول ان المقدس في الكعبة هو الاحجار بما هي هي وإن كنا لا ننفي نوعا من القداسة لها ما دامت قائمة بالبيت بل حتى بعد انفصالها وذلك لجهة الانتساب.
فإذا لم تكن الاحجار هي المقدسة بذاتها, فهل المقدس هو المساحة الجغرافية بما هي هي؟ أو ان المساحة الجغرافية بالاضافة إلى تلك الحالة الرمزية.
والظاهر أيضاً من الادلة الشرعية ان المساحة وان كانت مقدسة إلا ان الانتساب يوسع من قداستها فيضيف اليها اشياء لم تكن مقدسة وبالانتساب تكتسب قداستها مع اختلاف مراتب القداسة, فنحن على يقين ان الكعبة قبل ١٠٠٠ سنة لم تكن بهذه السعة وان الاماكن الخارجة عن التوسعة لم تكن آنذاك مقدسة ولكن وبعد التوسعة اكتسبت قداستها, وهذا امر واضح.
اذن المقدس في الكعبة هو تلك البقعة الجغرافية المعينة والمحددة والتي استلمنا حدودها يداً بيد مضافا إلى تلك الحالة الرمزية التي تعيش في قلوب المسلمين والتي لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها واحجارها وان تبدلت.
وعلى هذا الاساس وعلى ما فهمنا من حقيقة المقدس ومنشأ اكتسابه للقداسة نبحث ما يثار من قضية هدم الإمام المهدي عليه السلام للكعبة المشرفة وضمن المحاور التالية:
المحور الاول: ونطل من خلاله إطلالة سريعة على الكعبة المشرفة وما جرى عليها منذ بنائها إلى زماننا, من خلال ذكر حالات تهدم الكعبة وبناءها وزيادتها ونقصانها.
فهذا الذهبي في تاريخ الإسلام يذكر في حوادث سنة ٦٥ هجرية أن الكعبة تعرضت للهدم في زمن بن الزبير وأن بن الزبير هدمها وأعاد بناءها على قواعد إبراهيم الخليل, ويذكر أيضاً أن قريشاً قد قصرت في بناء الكعبة عن اساس ابراهيم عليه السلام لما اعادوا بناءها مما حدا بابن الزبير ان يرجعها إلى مكانها, ولكن لما ولي الحجاج على مكة هدمها مرة ثالثة واعاد البناء إلى ما كان عليه على عهد قريش, ويذكر الذهبي ان الحجاج اخذ الحجر الزائد عند تقصيره في البناء وتصغيره للكعبة ودكه في أرض البيت ورفع الباب.
فهذا النص التاريخي يشير إلى أن الكعبة تعرضت إلى الهدم والبناء ثلاث مرات والى الزيادة والنقصان في المساحة, كذلك تشير نصوص تاريخية اخرى إلى أن الكعبة تعرضت إلى الامر نفسه أكثر من ذلك ومن يرغب بالوقوف على تفاصيل المسألة فليراجع كتب التاريخ.
هذا النص التاريخي يرشدنا إلى جملة من الامور التي اشرنا لها في المقدمة وهي أن قداسة الكعبة ليست بالحجر ولا بالرقعة الجغرافية بمعزل عن المكانة الروحية لها فها هو نص الذهبي يشير إلى أن الاحجار للكعبة قد تبدلت ثلاث مرات وزيد فيها وانقص منها وغيرت ملامحها وحدودها وأن بعض الاحجار دكت بالارض, فمع قداستها تراهم احدثوا ما احدثوا فيها.
إذا فقداسة الكعبة بالامور مجتمعة _المكانة في النفوس، والموقع الجغرافي والمساحة والاحجار_.
المحور الثاني: وفيه نقف وقفة تأمل في حديث صحيح السند لا يمكن التشكيك في ثبوته بناء على مباني ابناء العامة, حيث يرويه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة بأنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم عليه السلام فان قريشاً حين بنت البيت استقصرت)).
وفي رواية البخاري أن ابا اسحاق يروي عن الاسود انه قال: قال لي ابن الزبير كانت عائشة تسر اليك كثيرا فما حدثتك في الكعبة قلت: قالت لي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر الحديث وزاد فيه ففعله ابن الزبير.
وفي مجموع النووي شرح مفصل لهذه الرواية وعدد المساحة التي زيدت وتفاصيل اخرى يمكن الرجوع اليها لمن يرغب بالازدياد.
وتأملنا في هذا الحديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتقى من قريش مع انه نبي ولم يفعل الواقعة لحداثة القوم بالاسلام وخشية النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم, فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا تلك الخشية من القوم لنقض الكعبة وبناها على اساس ابراهيم عليه السلام.
اذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد ان يفعل ولو اتيحت له الفرصة لفعل ولكنه منعه من هدم الكعبة مانع وهو حداثة القوم بالاسلام.
ونستفيد من الحديث أن ابن الزبير قد فعل ذلك فهدم الكعبة وبناها على اساس ابراهيم عليه السلام فجاء من بعده وهو الحجاج فهدمها مرة اخرى وارجعها إلى اساس قريش كما اشرنا اليه سابقاً.
فلو كانت القداسة للأحجار, وأن الهدم يستلزم هذا التهويل والتكفير فالأولى بمن يقود هذه الحملة التشرذمية أن يصِف ما يَصِفُ به الإمام المهدي عليه السلام لابن الزبير بل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المحور الثالث: المهدي عليه السلام خليفة الله ويتلقى اوامره من الله عز وجل والاعتراض عليه اعتراض على الله, ونحن لا نعلمه تكليفه ولسنا اولى به من حفظ الشريعة بل هو الذي يأتي ليعيد الاسلام جديداً ويصلحه وينشر الحق ويطمس الظلم والجور فلا نتوقع منه ظلما أو تجاوزا أو استخفافا أو استهانة بمقدس من مقدساتنا كما اننا لا نتوقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يتعدى على المقدسات وان ينتهك الحرمات,كذلك لا نتوقع من المهدي عليه السلام ذلك وليس لان لنا بالمهدي عليه السلام علاقة شخصية أو حبا عن عاطفة, بل لانه خليفة الله, وهذا المدلول الذي ينص على ان المهدي عليه السلام خليفة الله ليس مدلولا مستقى من روايات اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وانما هو مدلول روائي روته امهات كتب ابناء العامة كمسند احمد ومستدرك الحاكم والجامع الصغير للسيوطي وغيرهم.
اذن فهو عليه السلام خليفة الله ويتلقى تعليماته من الله سبحانه وتعالى والا لو كان غير ذلك لما كان جديرا لان يكون خليفة لله وما سيصدر منه من افعال لا نحاكمه عليها لأنه انما جاء ليصحح افعالنا, فاتهام المهدي عليه السلام بغض النظر عن كونه من أية طائفة هو أو بأي لون يتلون انه سيهدم الكعبة تجاوز على مقدس من المقدسات باسم حماية المقدسات وهذه حرفة احترفها اليهود قرونا خلت فهل يا ترى ان من يتهم المهدي عليه السلام بهذا الاتهام هو من خلف اولئك.
المحور الرابع: وهو وقفة مع الروايات التي تروي هدم المسجد الحرام على يد المهدي عليه السلام من طرق مذهب اهل البيت عليهم السلام ومتن الرواية يقول ان القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه روي هذا المتن في بحار الأنوار وفي الغيبة للطوسي وفي الارشاد للمفيد وفي غيرهما من المصادر والظاهر أن اسانيد هذا الحديث لا تقوم بحجة ولكننا ننظر إلى المتن بغض النظر عن سنده, عن أبي عبد الله عليه السلام: ((القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه .....)) وبناء على صحة صدوره ونقول إن هذا الحديث يصرح بان هدم المسجد الحرام انما هو لهدف رده إلى اساسه وليس هذا الهدم للظلم والعدوان أو للانتقاص وعدم الاعتراف بقداسة الكعبة المشرفة والمسجد الحرام, فإذا كان ثمة اشكال على ما ترويه مصادرنا من هدم الإمام المهدي عليه السلام للكعبة أو المسجد الحرام ورده إلى اساسه فالاشكال اوقع واولى بغيرنا لانهم يروون هذه الرواية باصح الاسانيد واوضح المتون, ويروون انها قد وقعت من قبل ابن الزبير, وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اراد ان يفعلها ولكن منعه من ذلك مانع, بينما الإمام المهدي عليه السلام إلى الآن لم يظهر ولا نعرف فعله, فهل انه فعلا سيفعل هذا الأمر أو لا يفعله, فاذا كان سيفعل ذلك فعلا فسوف نسأله في زمانه لماذا يا بن رسول الله, يا خليفة الله فعلت هذا الفعل, وسيبين لنا الوجه والحكمة من ذلك وأما إذا لم يفعله فالمسألة منتفية من الأساس, هذا فضلا عن أن الرواية تصرح بأن فعل المهدي عليه السلام هذا لأجل إرجاع المسجد إلى أساسه الإبراهيمي.
هذا اذا قلنا ان الهدم يقع على الكعبة المشرفة ولكن الظاهر من الحديث الذي نقلنا نصه قبل قليل أن الهدم يقع على المسجد الحرام وليس على الكعبة والفرق بينهما كبير جداً كما لا يخفى، فالمسجد الحرام قد تعرض للهدم عند توسعته أكثر من مرة كما هو واضح ومشاهد لنا، فهل يمكن لنا ان نتهم من يهدم المسجد بقصد توسعته للطائفين والمعتمرين أنه خارج عن الدين والملة؟.
والحديث الذي يتهموننا على أساسه يعلل الهدم للمسجد الحرام بأنه يحصل لأجل أن يرده الإمام إلى أساسه. وهذا الهدم مبرر شرعاً وقانوناً كما نبرر الآن لمن يوسع في المسجد تبعاً للمصالح التي تقتضيها التوسعة.
ويمكن ان نقول ان الرواية تشير إلى معنى اعمق من الهدم للجدران والأحجار, فحيث ان قريشاً التي هي عنوان الشرك وطمس الحقيقة الالهية فقد قامت بتصغير البيت وتحويله عن اساس ابراهيم عليه السلام الذي هو اساس التوحيد, فانه يحتمل ان يكون معنى الهدم في الرواية هو هدم الشرك القريشي وارجاع التوحيد الابراهيمي.
ومن خلال ما تقدم وعلى وفقه نخلص إلى النتائج التالية:
١. ان المقدس في الكعبة ليس هو الاحجار ولا المساحة, بل هما الانتساب الى الله سبحانه وتعالى.
٢. أن غيرنا من ابناء العامة قد رووا روايات صحاحاً أن ابن الزبير هدم الكعبة وكذلك قريشاً والحجاج, وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزم على الهدم واراده ولكن منع منه مانع.
٣. ان سبب الهدم المهدوي ان صح فهو انما لإرجاع البيت الحرام إلى أساسه الإبراهيمي.
٤. انه يحتمل ان هناك معنى آخر يراد بالهدم وهو هدم الشرك القريشي وارجاعه إلى التوحيد الابراهيمي.
٥. ان الهدم المهدوي محتمل الوقوع لأن الواقع لم يثبته إلى الآن وان تحدثت عنه الرواية فهو حديث ظني محتمل الوقوع بينما الهدم الأموي اليزيدي السفياني قد وقع فعلا، فهلا وصفنا من قام به بالكفر والزندقة والخروج عن الدين والملّة.
٦. نحتمل بل نقطع ان هذه الفرية هي أشبه بفرية السرداب وإنما جيء بها للتغطية على فعال بني أمية فقط.