دور تعاليم الانتظار في يقظة الشعوب و صحوتها
مياسة مهدي
الحديث الاول عن مفهوم الانتظار
ظل مفهوم الانتظار حالة نفسية صاحبت الانسان طوال حياته الاجتماعية والفكرية والعقائدية ,فنهاية المصير تجربة نفسية لهذا الشعور الذي مارسته الانسانية على مر الزمن,وهو من اوسع التجارب النفسية واكثرها عموما بين افراد الأنسان,وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام, ويؤكد ان الارض في نهاية المطاف ستمتليء قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ,يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية.ويحوله الى إيمان حاسم لمستقبل المسيرة الانسانية,وهذا الايمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب,بل هو مصدر عطاء وقوة,فهو مصدر عطاء لان الايمان بالمهدي عليه السلام إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها ,وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب ,لانه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الانسان ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما أدلهمت الخطوب,وتعملق الظلم, لان اليوم الموعود يثبت أن بامكان العدل أن يواجه عالما مليئا بالظلم والجور, فيزعزع ما فيه من اركان الظلم ويقيم بناءه من جديد. وأن الظلم مهما تجبر وامتد في ارجاء العالم وسيطر على مقدراته فهو حالة غير طبيعية, ولا بد أن ينهزم. تلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده تضع الامل كبيرا أمام كل فرد مظلوم, وكل أمة مظلومة في القدرة على اعادة تغيير الميزان واعادة البناء.
واذا كانت فكرة الانتظار أقدم من الاسلام واوسع منه فان معالمها التفصيلية التي حددها الاسلام, جاءت اكثر اشباعا لكل الطموحات التي انشدت الى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني,واغنى عطاء واقوى اثارة لاحاسيس المظلومين والمعذبين ,الذين اكتووا ألماً على مر التاريخ,وذلك لان الاسلام حوّل هذه الفكرة من غيب الى واقع ومن مستقبل الى حاضر,ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول, الى الايمان بوجود المنقذ فعلا,وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود, وأكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي عليه السلام فكرة ننتظر ولادتها, أو نبوءة نتطلع الى مصداقها, بل واقعا قائما ننتظر فاعليته وانسانا معينا يعيش بيننا بدمه ولحمه, نراه ويرانا ,ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الارض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين,ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد ,وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمد يده الى كل مظلوم,وكل محروم ,وكل بائس ,ويقطع دابر الظالمين.
وقد قدر لهذا القائد المنتظر ان لا يعلن عن نفسه ولا يكشف للاخرين تفاصيل حياته على الرغم من أنه يعيش معهم أنتظارا للحظة الموعودة .ومن الواضح ان التفكير بهذه المعالم الاسلامية تقرب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين,والمنقذ المنتظر عليه السلام ,وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيرا مهما طال الانتظار.