من الخيال القصصي
قصة قصيرة: انتـــــــظار
حسام محمد-الكوت
ما زلت اذكر جيدا ذلك اليوم الذي جئنا به-انا وابي رحمه الله-إلى هذه الحديقة, حيث استقرت في راحة يده نبتة صغيرة قبل ان يضعها ليزرعها.. وكان قد اخذ علي عهدا وانا في ذلك السن-سن الخامسة عشر-في أن آتي كل يوم واسقيها حتى تكبر وبذلك يتحقق هدفه الذي كان يصبو اليه من غرسها.. ما زلت أذكر كيف كان جالسا-رحمه الله- في مكتبه عندما دخلت عليه-ورأيته يقلب صفات كتاب عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام, إذ اقتربت منه اكثر لأرى بوضوح ما في صفحات الكتاب, فكان هناك عنوان في منتصف تلك الصفحة يقول (الانتظار) وقد كتب بخط واضح جلي, وقد دفعني الفضول في ان أسأله:-
ما ذا تعني هذه الكلمة يا أبي؟
هم الوالد بتحريك شفتيه ليقول شيئا ورفع كفه, واراد تحريك اصابعه وعلى عادته عندما كان يريد الكلام-ولكنه تروى قليلا, وما كان منه إلا ان ابتسم في وجهي وربت على كتفي, ونهض في الحال قائلا:
انتظر يا ولدي.
وانطلق مسرعا ليخرج من المنزل, ثم عاد وفي راحة يده نبتة صغيرة ما كدت اميز نوعها في ذلك الوقت. ثم اصطحبني معه إلى حيث الحديقة امام المنزل, وحفر حفرة صغيرة ليضع فيها تلك النبتة.. ثم سقاها بالماء.
فقلت له على الفور.. لقد رأيت كل هذا منك يا أبي, ولكنك لم تجب على سؤالي؟.
فقال لي: ستفهم كل شيء لاحقا, ولكن عليك الاعتناء بهذه النبتة.
تعهدت النبتة بالسقي حتى كبرت, وتفرعت اغصانها وانتشرت اوراقها, واستقر جذرها, واستطال جذعها.. تضوّع عطرها ينعش الصدور, ويروح عن النفوس.. نعم يا ابي لقد كبرت النبتة, وكبرت معها بعد ان رحلت انت.. لقد كان جوابك بليغا جدا عندما سألتك عن معنى الانتظار.. لقد كان درسا عمليا-احفظتنيه الايام, وافهمتنيه السنون, وما كان اختايري لهذه الشجرة المباركة الزيتونة-بطيئة النمو عن عبث, وانما اردت لي ان اتعلم الصبر اذا ما طال الامر بالامام عجل الله فرجه وغيبته الايام.
وها هي ثمرة السعي والانتظار.. وها هو كتابك الذي كنت تتصفحه في ذلك اليوم.. سأدخره لحفيدك, وسأعلمه هذا المعنى البليغ.. الصبر والعمل الطيب..وانتظار الفرج..
والآن اسمح لي يا أبي ان اجلس تحت الشجرة.. اتفيأ ظلالها, لأستزيد من معاني الانتظار.