المحاضرة الاسلامية - انتظــــــــــــــــار الفرج
الشيخ إبراهيم النصيراوي
بعد الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ابتدأ الشيخ محاضرته بذكر رواية الإمام الحسن العسكري عليه السلام التي تقول: (وعليكم بالصبر وانتظار الفرج، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج).
ثم شرع سماحته بالمحاضرة التي تمحورت في محورين هما:-
١- هل أن الإمام المهدي عليه السلام سوف يأتي بدين جديد، وما هو هذا الدين؟
٢- من أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، او أفضل العبادة انتظار الفرج.
واليك موجز بالمحاضرة:-
١- عن مطلبنا الاول نقول: ان هناك ترابطا كبيرا بين الإمام المنتظر عليه السلاموجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، باعتبار أن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كافح الجهل والظلم والفساد وأسس لدولة الاسلام العالمية بعد جهاد طويل ومعاناة مريرة, ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم رحل إلى الله تبارك وتعالى وقد عقد الأمل على ولده المنتظر عليه السلام حتى يسود به الإسلام جميع وجه الأرض، لأن هذه السيادة لم تتحقق في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي دولة الإمام المهدي عليه السلام سيسود العدل جميع الارض, ولكن الروايات تقول انه عليه السلام سيأتي بدين جديد.
فقد يبدو لاول وهلة ان الامام عليه السلام سيأتي بدين غير الدين الخاتم الذي أتى به جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الانبياء والرسل وشريعته, علما هذه الشريعة قد ختمت بقوله تعالى:- (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
ولكننا اذا درسنا حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي فترة صدر الاسلام, وما جاءنا منها من أخبار حول دولة الإمام المنتظر عليه السلام, نجد ان الامام عليه السلام سيقوم بأمرين مهمين :-
اولهما: انه عليه السلام سيحكم باحكام واقعية لا ظاهرة.
فالاحكام الموجودة عندنا, والتي نعمل بها الان اغلبها احكام ظاهرية, كما عليه حال الرسائل العلمية لاي مجتهد. حيث يبذل جهده ويفرغ سعيه, وبعد جهد ومعاناة يعطي الحكم الذي توصل اليه اجتهاده, وقد يكون هذا الحكم صوابا وقد يكون خطأ.
أما إذا ظهر الإمام المهدي المنتظر عليه السلام فإنه يأتي بالأحكام الواقعية, ولا مكان حينئذ للحكم الظاهري، اذ هي احكام الله الواقعية التي يريدها عز وجل.
وحينئذ يتصور الناس بأن المهدي جاء بدين جديد، وهو في الحقيقة ليس بالدين الجديد، وإنما الظروف التي مر بها الناس-ايام الغيبة- جعلتهم يستعملون الأحكام الظاهرية، فحين يأتيهم الإمام بالحكم الواقعي الذي كان موجودا في زمن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم،فانه يكون طبق الأحكام التي تناساها المسلمون او نسوها, فيشعرون حينها وكأنه عليه السلام جاء بدين جديد.
فتجديد الاحكام على يد الإمام المهدي عليه السلام ليس معناه أن الإمام سوف يأتي بدين جديد، وإنما هو عليه السلام يحيي الدين بعد اندراس.
وعلى هذا فان دولة المهدي عليه السلام يسودها الحكم الواقعي لا الحكم الظاهري, وان لذلك شواهد منها:-
تقول الروايات ان الإمام المنتظر عليه السلام اذا ظهر فانه يقضي في العالمين كما كان النبي داود عليه السلام يقضي, ومعلوم ان داود عليه السلام يقضي بعلمه. لا كما كان النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم يفعل في القضاء حيث يقول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم: (انما اقضي بينكم بالايمان والبينات) بمعنى ان يأتي المدعي والمدعى عليه, فيأتي المدعي ببينة او شهود, فيقضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفق البينة, ولا يقضي بعلمه. نعم هو يعلم ولكن لا يقضي بعلمه.
اما الإمام المهدي عليه السلام فانه يحكم بعلمه لا يسأل, عن البينة ولا يأخذ بالايمان.
وربما يرى الناس انسانا- وانه باعتقادهم لا ذنب له-قد يقتله الامام عليه السلام بعملية تطهير للمجتمع وقلع لجذور الفساد ولخلق مجتمع متكامل. لان هذا المقتول في ذمته حق او حقوق, منها القتل, فيقتص منه الامام عليه السلام مع عدم وجود دليل خارجي ظاهري على انه مذنب, ولكنه عليه السلام وعلى اية حال يقتله, فيتصور الناس انه قتل من غير ذنب اقترفه. وليس الا لانه يقضي بعلمه بين الناس.
ومن خصائص دولته عليه السلام الشر يفة انه يطبق الشريعة الاسلامية بكاملها, فيتصور الناس ايضا ان ما يأتي به عليه السلام غير ما اعتادوا عليه, ولم يطلعوا عليه, ولم يعرفوه من قبل بسبب التعتيم الذي مورس عليهم من قبل ائمة الجور, فتبدو لهم الاحكام الواقعية امرا غريبا عن الاسلام, بل وكأنها دين جديد.
٢-اما عن المطلب الثاني: فان لدينا جملة من الروايات تؤكد ان انتظار الفرج افضل اعمال امتي, وهي افضل العبادة.. والى آخره من روايات.
انها لروايات عديدة.. ولكن هل يعني انتظارنا الفرج ان نجلس مكتوفي الايدي خانعين خاضعين خاملين ونحن ننتظر الفرج, لان الانتظار هو افضل الاعمال.. فهل المطلوب منا هو هذا فقط؟ وهل نفهم من الروايات ان الانسان يجب عليه ان يقبع في بيته ساكنا لا يتدخل في شيء من امور الامة. لا من قريب ولا من بعيد.. ويبقى ساكتا.
وللجواب على ذلك نقول: ان النظرة الاسلامية للانتظار هي ابعد من ذلك بكثير. لان انتظار الفرج له آثار كثيرة, هذه الاثار اذا لم تتحقق فان الإمام عليه السلام لا يظهر, وهي:
-اولا: الاندماج: فمن آثار الانتظار خلق اندماج نفسي مع المنتظر عليه السلام, بمعنى ان الانسان المؤمن حينما ينتظر الإمام المهدي عليه السلام فانه سوف يتحمل معاناة, وهذه المعاناة تخلق عنده حالة من الاندماج مع الامام عليه السلام وتشده اليه كلما زادت.
-ثانيا: التهيؤ : أي ان الانسان المنتظر للامام عليه السلام عليه في زمن الانتظار ان يهيء نفسه, وان يقضي على الفساد والمنكر الموجود داخلها.
فان هو فعل ذلك يكون منتظرا صادقا, والا فانه لا يكون من المنتظرين اصلا.
فالانسان في زمن الانتظار عليه ان يصنع من نفسه انسانا كاملا, حتى يكون صادقا في انتظاره. بل اكثر من ذلك عليه ان يساهم بخلق قاعدة جماهيرية للظهور يقال لهم: الممهدون, ولابد من مجموعة كبيرة من هؤلاء الممهدين. وذلك تسهيلا لامر الإمام عليه السلام بظهوره الحتمي كما تقول الرواية الشريفة: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر فيه ولدي, يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا).
ثالثا: الايمان بالغيب من خلال الانتظار, لان الايمان بالغيب هو اول صفات المؤمنين المتقين, قوله تعالى ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {٢} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)). فاول الدين الايمان بالغيب, لان ديننا قائم عليه, فنحن آمنا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم نره, وآمنا بالقيامة ولم نرها, وآمنا بالمهدي عليه السلام اغلبنا لم يره. انما هي اخبار صادقة تحدثنا عن غيب فآمنا به.
ان الايمان بالغيب درجة عالية من الايمان. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان جالسا بين اصحابه (واشوقاه إلى اخواني رحم الله اخواني. فقال الجالسون عنده: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن هم اخوانك؟.. السنا اخوانك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: انتم اصحابي, واما اخواني فانهم يأتون في آخر الزمان يؤمنون بي ولم يروني, وهؤلاء هم اخواني. ثم يقول صلى الله عليه وآله وسلم: الا وان المؤمن منهم له من الامر كخمسين مؤمنا منكم).
فانما كان انتظار وتحقق ارادة الله في تحقق دولة الاسلام, دولة الإمام المهدي عليه السلام التي تعيد احكام الله الواقعية التي ارتضاها لعباده.. دولة تطبق شريعة الله كلها. انما كان هذا الانتظار أفضل الاعمال او افضل العبادة لانه يحقق الانشداد النفسي مع خاتم الاوصياء الإمام الحجة عليه السلام, كذلك يؤثر على روحية الانسان المنتظر وعلى سلوكه نحو الاحسن والاكمل اضافة إلى انه يركز الايمان بالغيب وهو اول صفات المؤمنين.
نسأله تعالى ان يعجل فرج امامنا, وان يجعلنا من انصاره.