المنجي في الديانات السماوية
الشيخ صالح جوهر/الاستاذ الدمرداش العقالي
ان القرآن الكريم افرد آيات كثيرة لموضوع الإمام المهدي عليه السلام بصفته المخلّص والمنجي للبشرية مما تعانيه من عناء وشقاء وظلم وجور، وجاء فيه ايضاً الكثير من الاحاديث النبوية الشريفة. فكيف يمكن ان نرى شخصية وصفات الإمام المهدي عليه السلام.
الروايات المروية عن الفريقين, وكما يقول الباحثون في هذه المسائل ان ما اجتمعت الروايات في مسألة كما اجتمعت في الإمام المهدي عليه السلام، وقال العلماء انهم قد جمعوا اربعمائة رواية وحديث في شخص وشخصية الإمام المهدي عليه السلام من الجماعة والسنّة, واكثر من ستة آلاف رواية وحديث اجتمعت في شخصية الإمام المهدي عليه السلام عن طريق السنّة والشيعة، وقبل هذا وذاك, نجد ان هذه المسألة (مسألة الإمام ومسألة الانتظار) من المسائل الانسانية الفطرية، وليست هي دخيلة على اي مجتمع، وانما بفطرة الانسان وانسانيته يلجأ دائما الى هذه الافكار، فهي فكرة طبيعية وفطرية للانسان، يؤمن بهذه النظرية كل من يعيش على الارض. واعني فكرة الخلاص. وفكرة العدالة، بحيث ان الانسان بفطرته يحب الجمال، ويكره البغض والعدوان، ويتجه دائما الى الجمال، والعدالة من الجمال.
فاذا اتينا إلى سنن ابن ماجة والترمذي وسنن ابي داود وابن عمر الداني ومسانيد احمد، وصحيح الحاكم والطبراني والكبير والصغير والدار قطني وابو نعيم في اخبار المهدي، والخطيب في تأريخ بغداد وابن عساكر يتكلمون في هذه الاحاديث والروايات عن المهدي عليه السلامحتى ابن خلدون يذكر رواية في مقدمتها يقول: (اعلم ان المشهور في كافة من اهل الاسلام على ممر الاعصار انه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت عليهم السلام، يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمى بالمهدي).
كذلك يذكر ابن حجر العسقلاني ايضاً فيقول: (تواترت هذه الروايات والاخبار بأن المهدي عليه السلام من هذه الامة ويأتي عيسى عليه السلام بن مريم وينزل ويصلي خلفه، كما جاء في فتح الباري).
وحتى ابن تيمية يتحدث عن الإمام المهدي عليه السلام ويقول: (فاما المهدي عليه السلام الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كما يقول.
وبمقارنة بين شخصية المهدي عليه السلام او المخلّص او المنجي في القرآن وفي الكتب السماوية, نجد انها تتفق في ان ابن الانسان الكامل الذي سيأتي في آخر الزمان لكي يملأ الارض بالخير والهدى والتوفيق هو ترجمة للآية الكريمة،بل هي آيتان في كتاب الله، اذا عطفت احداهما على الاخرى انبثق منه الإمام المهدي عليه السلام، قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وقوله في موضع آخر (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) اي ان الحق (تبارك وتعالى) كما خلق الانسان الاول في احسن تقويم من حيث معرفته بالله واحتوائه على العلم اليقين بالله، وهو ما عناه القرآن في تعليم آدم الاسماء كلها، هذه الاسماء كلها التي اختصرت في آدم وبقي ان يكون لها مفعولها في حياة ذريته، ظلت اسماء معطلة المفعول في معظم الآيات، وكان يتم تفعيلها رويداً رويدا، في بعثة كل نبي الى امة محدودة في زمان محدود، والزمان المحدود والامة المحدودة لم تكن تتسع لتجلي كل كمال الانسان حتى جاء عهد ابراهيم، فاذا بابراهيم ينتقل بالمنهج الالهي الى عمومية وإمامة لم تكن من قبل، في قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، الآية قطعية في ثبوت الإمامة نصاً، واستدامتها مع استبعاد الظالمين، ولقد تشبث ابراهيم عليه السلام بهذا الوعد مرة اخرى عندما قال تعالى: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ)، لسان الصدق في الآخرين هو الذي يجلي منهج ابراهيم عليه السلام لآن منهج ابراهيم هو جماع منهج الله (عز وجل)، بدلالة آية سورة الشورى وهو يخاطب عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ان الدين الذي اكتمل في ملة ابراهيم بحيث امر رسول الله النبي الاعظم والرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع تفضيله ان يكون على ملة ابراهيم عليه السلام، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذه الملة منهجها ظل في الارض يشرق بالتنزيل توراة وانجيلاً وقرآناً ويتعثر في التطبيق مع الانسان الذي رد الى اسفل سافلين، وهذا الانحدار الانساني لم يتم في جيل واحد، ويظل يتردى حتى تمتلئ الارض جورا وعندئذ يأتي وعد الله بأن (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) في انسان كامل كما قال (انجيل متى) في موعود, وكما قال (سفر اشعياء) في العبد الصالح الذي هو لسان الصدق كما دعا ابراهيم عليه السلام.
كل هذه الصفات تعطينا ضرورة نصية وعقلية ان يكون هناك منقذ، هذا المنقذ قد اختلفت التوراة والانجيل والقرآن بشأنه في فرعيات.
جاء عند بني اسرائيل وهم اصحاب الوعد الاول، فبيّن ان عهدهم انتهى، في (سفر زكريا وسفر ملاخي) ان (النبي زكريا عليه السلام) انزعج من عدم وجود العقب لانه ادرك ان معنى هذا انتهاء استخلاف بني اسرائيل، فدعى دعواه الموصولة بالكتاب المقدس وفي القرآن ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ)، وقد اجيب كما هو ثابت في الاسفار، وفي القرآن، (نهبك يحيى سيداً وحصوراً)، والحصور اي لا عقب له، فعلم زكريا ان يحيى مع فضله يشير الى انتهاء عهد بني اسرائيل، ولما ظهر ان امرأة عمران وكان اصلح بني اسرائيل بعد زكريا، ان امرأة عمران حامل بعد وفاة عمران فرحت امرأة عمران ونذرت ما في بطنها لله، واخذت تصلي ان يكون هذا الحمل هو المنقذ، فلما وضعتها قالت هذه الانثى، اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فهي تفترض ان لها ذرية، اي ان تتزوج،وهنا يريد الله ان يعطي علامة قطعية انه لم يعد في بني اسرائيل وقت ظهور المسيح من يصلح ان يكون اباً لنبي، فيأتي عيسى من غير اب لئلا تنقطع السلسلة التي ترث النبوة والملك، ويتهيأ الكون لاستقبال آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد جاء عيسى عليه السلام همزة وصل بين التصديق بالتوراة والبشارة بأحمد صلى الله عليه وآله وسلم (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، حيث بشر السيد المسيح عليه السلام في العشاء الرباني وهو مبسوط في كل اصحاحات الاناجيل الاخيرة، وهوآخر عهده بالارض، قال للحواريين الاثني عشر، لما سألوه سؤالاً ازعجه هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء، قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين، اي سؤال هذا، من صفوة الامة الحواريين، قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين، (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ)، دعا الله بالمائدة وهم يأكلون واشتد الظلام قال تعالوا ارشموا اقدامكم حتى يعرفكم الكامل عندما يأتي، قالوا يا معلم ألسنا الكامل؟ قال لا، الكامل الذي يأتي قبل الدينونة والحق الذي تقف نفسي في حضرته اني لا استحق ان احل سيور حذائه، اشارة الى المهدي عليه السلام، لانه اشار الى قبل الدينونة بشارته بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تمت في اول عهده، منذ ان كرز في الهيكل قال لهم يا اولاد الافاعي من دعاكم ان تجعلوا بيت ابي مغارة للصوص، سيأتي الحق يستعلم هذه البشارة باحمد، اما عن الإمام المهدي فهو في آخر الكلام قال سيأتي الانسان الكامل، لان الانجيل ذكر في الاصحاحات الاولى بشارته باحمد الباراقليط فتكرارها في الآخر دون ان يعطف على الاولى دل على ان الذكر لامر جديد، ولان المسيح مقرون بالإمام المهدي، المسيح رسالته على الارض بدأت بخطبة وتنهي بخطبة، الخطبة التي بدأت يقول الحق فيها (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) حياته على الارض لم تبلغ حد الكهولة زمنا، عندما رفع كان دون الكهولة، ويكلم الناس في المهدِ وكهلاً وهي اشارة الى انه سيخطب في الكهولة ذات خطبته في المهد، وان آيات سورة النساء تقول بان المسيح سيعود الى الارض التي رفع منها بين ذات القوم الذين هموا بصلبه، لقول ربنا تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ اللذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)، اول من يعرف المسيح اليهود، لانه بالاصل رسولاً اليهم فيعرفونه، فيملكونه، فيتوجونه، وينتظرون ان يخطب، فاذ به يخطب خطبته في القرآن (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا) خلاف كل المسلّمات اليهودية عن مخلّصهم، عندئذ تشرق قلوب كثيرين من اليهود، فتقول الآن حصحص الحق، هم ابناء الاسباط الذين شرحوا مشكلتهم في جريمتهم ضد يوسف بقولهم الآن حصحص الحق قالوا تالله لقد آثرك الله علينا، قال نعم،قالوا اذن نؤمن بك كما تقول، وانه عليه السلام عندما يتحدث وينفي انه صلب، عندئذ يقول النصارى: اذن اخطأنا في قولنا، وبعد ايمانهم به هو الذي سيعرفهم بالإمام المهدي عليه السلام، وفي مصادر اهل السنّة انه هو الذي يعرف الإمام المهدي في الحرم فينكب على الإمام عليه السلام مقبلاً يديه وقدميه ويعجب الناس من هذا؟ فيقول المسيح هذا الإمام الخاتم من ذرية احمد صلى الله عليه وآله وسلم, فلننظر بمعيار عملي بحت.