قصة قصيرة
فوانيس لاتعرف الضياع
همست امه في أذنه بحب توصيه أن لا يبتعد كثيراً ... و أن يتمنى من الخير أكثره، فعلى باب الله يقف الفقراء هذه الليلة، لأن أبواب الرزق فيها مفتحة.
خرج مع رفاقه تتقافز خطواته مع سكون الليل الباكر، يتحرك بحرية مع فراشات صغيرة تبحث عن الفة الفرح،كانت تتغنى بتمايل ينعكس مع إيقاع فلكلوري جميل.
وفي غمرة جو الفرح تمازح الصغار فتبعثرت حلواه من كيسه، انحنى ليلتقطها، لم ينتبه فاختفى رفاقه عنه .. ثمة شيء يشده للبعيد، يغريه لأن يستكشفه.. توقفت خطواته خارج حدود قريته فضلّ طريقه عنهم.
بدا الظلام كثيفا شعر بالذعر يتسارع في نبضه نادى أصدقاءه ليتداركوه، لكن لا أحد.
رجه صوت الصدى، فانزوى في مكانه يدعو أن يعود لأصحابه سالماً، وتذكر كلمات كانت والدته قد حدثته عنها عن ليلة تتزين بفوانيس تكسر الجوع .. فوانيس توقد من لون الشمس يعلقها الليل بجيده فتنعكس بهجتها في وجوه الصغار، وعن قصص وحكايات أخرى ، يتوسم منها أنساً يقطع به حبل الوحشة.
حدثته نفسه وهو ما زال ينتظر فشرع يعيد نسج الأسئلة:
يقولون أن النور يمشي على قدمين في هذه الليلة... يقولون أن حياة البؤس ستندثر ... يقولون أن الحق سيظهر بوجوده، وأن هذه الليلة تخلد ذكرى عبقة لولادته الطاهرة ... يقولون أن ظهوره يملأ الأرض قسطا وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجورا ... وأنه سيخرج كنوز الأرض وخيراتها من مخابئها، وسينتشر العدل والحب والسكينة والسلام ...ولن يبقى للظالم سلطان على رقاب المستضعفين... عاد ينادي بعد أن بدأ صبره ينفد:
يا إلهي أعدني لرفاقي سالما.. فسمعته أصداء الفطرة كومض البرق، تهتف بشعاع الأمل داخل قلبه، فاقترب منه أكثر.
تراءت له شعلة، ضوء من بعيد، بدا له من أول وهلة رجل جليل، خطواته تستند هيبة يعكسها وجهه الباسم كضوء القمر، يحمل فانوسه بيده، يوزع ابتسامته وفي يده الأخرى خراج يمتلئ بقطع الحلوى .. جفل أول الأمر، لكن الاطمئنان دخل قلبه كوميض البرق الخاطف .. مد طرفه نحوه، تأمل نظراته الدافئة وبياض كفيه الظاهر .. استكان بهدوء و استجمع شجاعته وأقدم يخاطبه مرتجفا:
يا أيها الرجل الجليل أصحابي تباعدوا عني،وأريد أن أعود لهم فأمرح في هذه الليلة ففيها تبتهج القلوب.
اقترب منه الشيخ،.. قائلاً:
لا تخف يا بني ففي داخلك يغتسل النقاء، واعلم أن بعض الحقائق تستظل بالحلم حتى يحين وقتها فتكون .. ذاك هو الطريق الذي جئت منه .. اذهب إليه إذاً.
خطوات فقط هي التي مشاها الصبي مبتعداً يراقب اكتمال البدر في كبد السماء، ظن أنه يعتلي تلك النجوم من حوله فكأنه يحدثها وتضاحكه، وأخيراً التفت ليجد نفسه وسط رفاقه عاد إليهم وهو يبتسم مع أصحابه وهو يغني معهــــــــــــم ويشدو أهــــــــــزوجة النصف من شعبان .
عقيلة آل حريز ـ السعودية ـ ١٥ / شعبان/ ١٤٢٨هـ