غيبة الإمام المهدي عليه السلام ودوره في عصر الغيبة الكبرى
حوار مع سماحة الشيخ محمد السند (حفظه الله)
سماحة العلامة الاستاذ الشيخ محمد السند حفظكم الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بودنا اجراء هذا الحوار معكم والذي يتضمن الحديث عن افق القضية المهدوية وابعادها.
*الشيخ محمد السند:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ارحب بكم واشكر جهودكم.
- المحاور : .. هل للمهدي المنتظر عليه السلام،نفوذ في حاكمية الامة في زمن الغيبة الكبرى ؟
*الشيخ محمد السند :
تقول مسيرة الانبياء والاوصياء عليهم السلام ان حكوماتهم ما زالت نافذة .. كسنن ابراهيم وحكومته (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )، (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ). حيث ما زالت سنن ابراهيم التي سنها للبشرية تتحكم في قطاع واسع من البشرية،أي ان ابراهيم عليه السلام ما زال يدير و يدبر ، و هو الحاكم المتنفذ .
أي بعبارة اخرى مازال الانبياء, وسيدهم نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم حاكمين و متنفذين ومطاعة اوامرهم .
ان لغة الحكومة و الادارة والتدبير للمجتمعات البشرية ،لا تنحصر في الحكومات السياسية المعلنة _الصغيرة والكبيرة منها_،بل ان اقصرها عمرا هي الحكومة الرسمية المعلنة ، أما اوسعها فالحكومة العقائدية ،الحضارية ،الثقافية ، و حكومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. فالإمام الصادق عليه السلام ما زال يتحكم في اتباعه ؛ لأنه اختط لهم منهجا ، ومسيرة ثقافية ،في مجالات عديدة تمدنية .
إن من بين أنواع الحكومة هي الحكومة الخفية . والحكومات الرسمية المعلنة ليست هي مصدر قوة هذه الحكومة، فمصدر قوة الحكومة في الادبيات السياسية الموجودة وهي قوى خفية فيها، تسمى المخابرات C.I.A أو J.B أو اسكوتلنديار (أو ما هو أخفى من هذه المؤسسات اكثر واكثر ، وكلما ازدادت الحكومة خفاء كلما ازدادت قوتها)، فهذا الخفاء هو مصدر قوة.
وان أية دولة بلا جهاز حاكم خفي . هي دولة معرضة للتهديد الاقتصادي والأمني، الثقافي، المالي وغيرها.
وان في كل الحقول البشرية عنصراً من عناصر الشريانية في الادارة هو الخفاء.
وهذا ما ينادي به الشيعة، من ألف و مئتي سنة في غيبة امامهم .
فالخفاء إذا ليس عنصر خرافة و اسطورة أو ما شابه ذلك..
- المحاور : هل أن عملية الاتصال به عليه السلام و توجيهه للامة تدخل ضمن دائرة الخفاء أو التغييب ؟
*الشيخ محمد السند :
جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (حتى اذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس ، وماج الناس بفقده ..) إلى ان يقول : (حتى اذا بقيت الأمة حيارى وتدلهت وكثرت في قولها ان الحجة هالك، والامامة باطلة ، فورب علي أن حجتها -يعني الإمام - قائمة ، ماشية في طرقها،داخلة في دورها و قصورها جوالة في شرق الأرض وغربها) اذا ليس الإمام مغيباً بمعنى أنه معدوم الوجود ، بل بمعنى خفي الهوية، وعبارة ( داخلة في دورها وقصورها ) تعني تحكم في كل البقاع والأماكن ،في شرق الأرض و غربها ، فان أمير المؤمنين عليه السلام يقول، إنه عليه السلامعنده سيطرة نفوذ في شرق الأرض وغربها مع خفاء هويته ، و عنصر القوة هو خفاء الهوية، وذلك إلى ان تظهر هويته ، وقد جاء في الروايات ان عندما يظهر الحجة عليه السلام يقول الناس اننا كنا نراه ، لكن لم نكن نعرفه _ليس فقط بشخصه_ بل حتى في الجهاز البشري الذي يديره بشكل خفي عليه السلام.
- المحاور : هل يمارس الإمام عليه السلام هذا الدور من خلال نوابه أو من خلال ايحاءات إلى قلوب البشرية ؟
*الشيخ السند : القرآن يطرح، أساليب للقدرة و التحكم في القدرات البشرية، ولأجل قيام الخليفة و الإمام عليه السلام بسنة الهية دائمة في درء الفساد البشري ، الصحي ، والأمني ، والأخلاقي.
جاء في سورة الكهف .. (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) ، فالقرآن يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن خلاله المسلمين بأسلوب الرموز والخفايا..
وأحد هذه الأساليب هي قصة أصحاب الرقيم ، أصحاب الكهف .. ودعوتهم و منهاجهم وهو تحريك فطري من الله للذين اهتدوا إلى التوحيد ونبذوا الشرك.
وهذا المنهج متبع في خطاب الدول و القوى والقدرات ، ويسمى الايحاءات و الخواطر .. الجلاء السمعي و الجلاء البصري و الجلاء الفكري و التخاطر و غيره ، وهو مطروح حتى في ثقافة المسلمين.
ثم يطرح القرآن الكريم قصة الخضر ،ويستعرضها في وسط السورة {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } ولا يعني هذا الاستعراض الا الدعوة الى الاسلام وهي احد الاجابات عن هوية دور الخضر.
وكل ذلك كان في الخفاء ، حيث يقول القرآن عن النبي موسى عليه السلام(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا) .
أي هو عبد مأمور ، مخفي ، وهو تحفة للمهدي عليه السلام، وأنيس له كما في الروايات لدينا، وهو من ضمن شبكة المهدي عليه السلام والمهدوية ، وله لولبية خاصة في هذه الشبكة الخفية وسيظهر معه عليه السلام . (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) .
ثم يستعرض لنا القرآن الكريم ثلاث قضايا مارسها الخضر عليه السلام ، وهي ردع الظلم الاقتصادي ، الذي يؤثر في اقتصاد عامة البشركما في القصة الأولى وهي قضية السفينة وهي ليست سفينة باعتبارها سفينة ، بل المقصود منها الامن الاقتصادي البشري .
القصة الثانية قصة الصبي ، الذي لو قدر له أن يعيش لقطع نسل بيت نبي، فيعني ذلك أن الخضر يقوم بحركات مفصلية مصيرية خطيرة ،في الهداية البشرية وتمدنها.
القصة الثالثة هي قصة أصحاب الجدار وكنز هما ، و بعبارة أخرى كفالة الأيتام ، و كفالة الفقراء ، والطبقات المحرومة . وهي رمز ، لا اسطورة .. بل هي كناية وباب ليفتح ويفهم .
اذن الخضر يدير الأمن الاقتصادي، والثقافي والعقائدي ،و الاجتماعي والضمان الاجتماعي والكفالة الاجتماعية للبشر أيضاً، ويقول : (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) .
ونحن نقرأ في دعاء رجب؟ (اللهم اني اسالك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك.... ( إلى ان يقول) .. يا ديموم يا قيوم وعالم كل معلوم صل على محمد وآله, وعلى عبادك المنتجبين, وبشرك المحتجبين), أي ان هناك شبكة مخفية محتجبة.
أن سورة الكهف تقول ان هناك رجالاً الهيين ليسوا بانبياء ورسل, فلم تعرّف الآية الكريمة الخضر بانه نبي, ولم تقل فوجدا رسولاً, أو نبياً, بل قالت (فوجدا عبدا).
فهو أولاً ولي من أولياء الله العظام, لديه علم لدني أي انه (يزق) العلم بتوسط الغيب وبقناة غيبية. كما ذكر ذلك القرآن الكريم قصة طالوت (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) ولم يقل بعث لنا نبياً, بل قال بعث لنا (ملكا), يعني اماما, (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ), اي علم لدني, فالعلم اللدني هو نوع من الامامة والحجية فهو يقوم بدور خفي.
النموذج الإلهي الثالث والاخير الذي طرحه القرآن الكريم في سورة الكهف هو (ذو القرنين), وذو القرنين اسلوبه هو اسلوب الحكومة الرسمية المؤيدة والمسددة بتأييد إلهي, وهذا ما سيكون عند ظهور الحجة عليه السلام.
يقول القرآن الكريم: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا), فلم يقل القرآن الكريم ان ذا القرنين نبي أو رسول، بل قال انه امام من الائمة الإلهيين, ثم قال:( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) أي فتحت له الاسباب .
وهذا الاسلوب، هو اسلوب الحكومة الرسمية المؤيدة والمسددة بالاسباب الالهية, او هو دور الإمام والمعصوم.
ان هناك حداً اعلى لدور الخليفة وهو الإمام عليه السلام كدور ذي القرنين وطالوت والخضر. أما الدور الادنى فهو درء الفساد العام، الخلقي،الزراعي,الصحي, الامني،العسكري ،الثقافي,السياسي, لكي لا يستشري الفساد في البشرية, ودرء طحن الحروب للبشرية, فتستأصل وتنقرض.
أما أعلى دور له عليه السلام فهو نظير دور ذي القرنين, وهو تفجر كنوز الطبيعة والكمالات الطبيعية، ولكن هذا لا يعني ان فقد الدور الاتم يفقده الدور الاقل, وبعبارة أخرى فإنه ادنى درجات دور المعصوم وهو دور عظيم.
إنّ دور الحجج الالهية والخلفاء الالهيين والامام يكون درء للفساد البشري ودرء في مطلق المجالات ومطلق الحقول أما الدور الاقصى له فهو أنه يفجر كنوز الارض ويفجر الكمالات البشرية والمدنية البشرية كما طالعتنا بذلك سورة الكهف.
في رواية عن آل البيت عليهم السلام يقول فيها : (واعلموا ان الارض لا تخلو من حجة لله عز وجل ولكن الله سيعمي خلقه عنها).
ونحن الشيعة نعتقد ان احد اوصاف الحجة البارزة (يا قائم آل محمد), أي ان المهدي عليه السلام في غيبته يقوم بالامور وبالوظائف وبما عليه وليس هو بقاعد (وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) فهو يقوم بالامور,وهذه من الاعجازات الالهية, قبل ولادة الحجة عليه السلام وبعد ولادته، ونحن الى الآن نلهج بهذا اللقب-القائم-, وهو من ابرز القاب الحجة عليه السلام للدلالة على انه ولي الامر،فليس فقط هو ولي المؤمنين او ولي المسلمين بل هو ولي البشرية اجمع وجمعاء. ولولاه لساخت الارض و(تآكلت) البشرية,والا هذه الشهوات والنزوات الموجودة عند رؤساء الدول النووية والتي يمكن بضغطة زر أن يفنوا البشرية فمن الذي يهدئهم؟ انه _أي الإمام عليه السلام_ يفشي العقلنة وروحية الآداب والاخلاق في البشر.
تشير الرواية فتقول (ولكن الله سيعمي خلقها عنها بظلمهم وجورهم واسرافهم على انفسهم) ( ولو خلت الارض ساعة من حجج لله لساخت باهلها لكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون) وهو يتحكم في ملك مصر_ وكان بينه وبين ابيه مسيرة ثمانية عشر يوماً, مع ذلك كان خفي عليهم وان الله يفعل بحجته المهدي عليه السلامما فعل بيوسف, (وان يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الامر) يعني هو الذي يحتكم في امور البشرية, يتردد بينهم في اسواقهم, ويمشي في اسواقهم, ويطأ فرشهم ولا يعرفونه إلا أن يأذن الله له ان يعرفهم كما اذن ليوسف).
_ المحاور: نحن نعيش الآن تعدد واختلاف في الثقافات والرؤى والجنسيات والمذاهب والمدارس بشكل اكبر مما كان عليه الأمر في زمن ذي القرنين، فكيف يستطيع الإمام المهدي عليه السلام وكما يقول الإمام الباقر عليه السلام انه ( يضع الله يده على رؤوس العباد فيجمع بها عقولهم وتكمل بها احلامهم) ما هي الطريقة العملية التي يستطيع عليه السلام ان يجمع كل هذه الشعوب تحت راية واحدة وتحت دولة واحدة؟
*الشيخ السند: نحن نرى في الظواهر البشرية ظواهراً مدبّرة على صعيد اشكال الدول والثقافة القانونية ،والسياسية والفكرية،فكما يتدبره الباحثون الاجتماعيون والباحثون العقائديون والباحثون في المجالات المتخلفة, كما يقولون ان كلها نزوع، ونزوح بشري نحو فكرة المهدوية.
كما في فكرة الامم المتحدة أو اية فكرة تماثلها هي فكرة الحكومة الواحدة والقانون الواحد وتشطيب العرقيات والقوميات فكرة وحدة بشرية واحدة ذات عدالة واحدة ذات استواء بالحقوق، ذات تعارف واحد، وفي الواقع ان هذه هي احد البنود المهمة في فكرة الإمام المهدي عليه السلام التي يطرحها المسلمون عامة.
بمعنى ان عقيدة الإمام المهدي عليه السلام أو فكرة المهدي عليه السلام أو المهدوية قاسم مشترك لعقيدة المسلمين وهي نعمة البنية والاساس لهذه الوحدة, بل هذه الآن تتجلى وحدة فكرية ثقافية بشرية ،لأن البشرية تحتاج إلى حكومة موحدة والى انسان يربي النظام.
حتى فكرة العولمة نراها كلها تنسجم مع وحدوية الدولة البشرية والنظام المدني والتجاري الاقتصادي والثقافي الزراعي الامني مع النظام العالمي الموحد, فنرى البشرية ترتقي وتصعد السلم المهدوي من حيث لا تشعر.
إنّ عقيدتنا المهدوية أو عقيدة الإمام المهدي عليه السلام تتجلى في الفكر البشري عموماً,ونحن الآن في حالة نزوح نحو اصل الفكرة المهدوية وعقيدة المهدي عليه السلام بتمام بنودها.
وان البشرية نراها في حالة اعتقاد, ونزوح لنفس بنود عقيدة الإمام المهدي عليه السلام وفكرته.